السؤال
كنت أصلي في المسجد، وكانت هناك جنازة، فلم أشيعها، وانصرفت من المسجد؛ لأني كنت مشغولًا بالبحث عن علاج أقاربي من أمراض أعرفها؛ لأني في كلية الطب، ولأجل مذاكرتي، فما رأيكم؟ هل كان يجب أن أقدم الجنازة، وإن كان الوقت متأخرًا وضيقًا؟ وعند خروجي من المسجد في نهاية اليوم ألقيت السلام على المصلين قبل بدء التشييع، فهل هذا يخالف الصمت المطلوب عند تشييع الجنازة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج عليك في ترك تشييع الجنازة إن كنت مشغولًا؛ لأن تشييع الجنازة، ودفنها فرض كفاية، ولا يأثم مَن تركه، ما دام يجد من يقوم به، ولكن لا شك أن شهود الجنازة، والصلاة عليها، ودفنها، فيه خير كثير، وثواب عظيم، ينبغي الحرص عليه، فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من شهد جنازة حتى يصلي، فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن، كان له قيراطان، قيل: وما القيراطان ؟ قال: مثل الجبلين العظيمين.
وأما عن إفشاء السلام: فلا حرج فيه، وإنما يكره رفع الصوت بالذكر، والتهليل خلف الجنازة، لمن أراد التعبد بذلك، فهذا بدعة، والسنة لمن تبع الجنازة السكوت، فلا يرفع صوته بقراءة، ولا ذكر، ولا نشيد، ولا غيره؛ وذلك لما رواه البيهقي، وأبو نعيم، عن قيس بن عباد قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الجنائز. قال الألباني في أحكام الجنائز: رجاله ثقات.
ثم قال: ولأن فيه تشبهًا بالنصارى، فإنهم يرفعون أصواتهم بشيء من أناجيلهم، وأذكارهم، مع التمطيط، والتلحين، والتحزين، وأقبح من ذلك تشييعها بالعزف على الآلات الموسيقية أمامها عزفًا حزينًا، كما يُفعل في بعض البلاد الإسلامية تقليدًا للكفار. والله المستعان.
ثم نقل عن النووي - رحمه الله - كلامًا مهمًا، نذكره بتمامه، قال - رحمه الله - في كتاب الأذكار: واعلم أن الصواب، والمختار، وما كان عليه السلف - رضي الله عنهم - السكوت في حال السير مع الجنازة، فلا يُرفع صوت بقراءة، ولا ذكر، ولا غير ذلك.
والحكمة فيه ظاهرة، وهي أنه أسكن لخاطره، وأجمع لفكره، فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوب في هذا الحال، فهذا هو الحق، ولا تغتر بكثرة من يخالفه. اهـ
والله أعلم.