الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من الذي أمر بسجن يوسف عليه السلام؟

السؤال

من الذي سجن سيدنا يوسف؟ هل كان هناك قاض على شكل محاكمة أم إن العزيز بنفسه هو الذي حكم عليه بالسجن؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يختلف المفسرون أن المقصود العزيز، ومنهم من يزيد على ذلك أهل مشورته.

قال الشوكاني: إما للعزيز ومن معه، أو له وحده على طريق التعظيم.

قال الطبري: القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) }.

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم بدا للعزيز، زوج المرأة التي راودت يوسف عن نفسه. وقيل: "بدا لهم"،، وهو واحد؛ لأنه لم يذكر باسمه ويقصد بعينه، وذلك نظير قوله: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) ، [سورة آل عمران: 173] ، وقيل: إن قائل ذلك كان واحدًا.

ثم نقل عن السدي: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) ، قال: قالت المرأة لزوجها: إن هذا العبدَ العبرانيَّ قد فضحني في الناس، يعتذر إليهم، ويخبرهم أني راودته عن نفسه، ولست أطيق أن أعتذر بعذري، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر، وإما أن تحبسه كما حبستَني. فذلك قول الله تعالى: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين).

وكذا نقله ابن أبي حاتم.

وفسره بالعزيز فقط الزمخشري.

بينما ذكر غير واحد من المفسرين أنه، وحاشيته، ومشاوريه.

قال البغوي: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ} أَيْ: لِلْعَزِيزِ، وَأَصْحَابِهِ فِي الرَّأْيِ.

وقال ابن عطية: وجمع الضمير في " لهم " والساجن الملك وحده، من حيث كان في الأمر تشاور.

وقال القرطبي: أي ظهر للعزيز وأهل مشورته.

قال ابن عاشور: وَالضَّمِيرُ فِي لَهُمْ لِجَمَاعَةِ الْعَزِيزِ مِنْ مُشِيرٍ، وَآمِرٍ.

ولما كان هذا التفصيل قليل الفائدة، لم يعتن به القرآن، كعادته في إهمال ما ليس وراءه كبير فائدة، والاهتمام بموضع الاعتبار؛ كما قال تعالى في مطلع السورة: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ. يوسف (3).

قال ابن عاشور: وَجُعِلَ هَذَا الْقَصَصُ أَحْسَنَ الْقَصَصِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْقَصَصِ لَا يَخْلُو عَنْ حُسْنٍ تَرْتَاحُ لَهُ النُّفُوسُ. وَقَصَصُ الْقُرْآنِ أَحْسَنُ مِنْ قَصَصِ غَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ حُسْنِ نَظْمِهِ وَإِعْجَازِ أُسْلُوبِهِ، وَبِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْعِبَرِ وَالْحِكَمِ، فَكُلُّ قَصَصٍ فِي الْقُرْآنِ هُوَ أَحْسَنُ الْقَصَصِ فِي بَابِهِ، وَكُلُّ قِصَّةٍ فِي الْقُرْآنِ هِيَ أَحْسَنُ مِنْ كُلِّ مَا يَقُصُّهُ الْقَاصُّ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني