السؤال
كنت قد تعلمت أجزاء من القرآن والتجويد، ثم توقفت، وتزوجت، وانشغلت، ثم قررت أن أتعلم العلم الشرعي، وأحفظ القرآن بعد ذلك. ولكن كانت لي صديقة تقول لي إن التجويد والحفظ أهم شيء، فقلت لها: ما أعلمه هو أن العقيدة أهم شيء، ونحن لدينا جهل بها حتى هي ولكني لم أقل لها ذلك، وقلت لها إني سمعت أن العقيدة وحدها تدخل الجنة ولم لم أحفظ القرآن، وأن الحافظ للقرآن كله بدون عقيدة سليمة لن يدخل الجنة.
فأفتوني هل أخطأت؟
أحاول أن أقرأ القرآن ما يجعلني أختمه بالقراءة فقط مرتين في السنة " ولكني لم أكن أعلم ذلك، ولما علمت بإذن الله أسعى لذلك"
فهل علي حفظ وهل أأثم لعدم حفظه كاملا أم علي القراءة والختم فقط، وحفظ ما أقوم به في صلاتي فقط؟
وبعد العلم الشرعي، ووجود الوقت إن شئت حفظت وكان خيرا لي طبعا، وإن شئت لم أحفظ ولم أأثم؟؟؟
ثم إني قلت لإحدى جارتي في مرة من شدة الغضب؛ لأنها لا علم لها، وتقوم بأفعال تضايق، وتحفظ أبنائها القرآن لمسابقة دينية. فقلت لها: لم تحفظيهم القرآن؟ منكرة عليها أن تتباهى بذلك، كلما قلت لها إن عليها أن تبني آراءها على العقيدة والدين، ولكني بعدها ندمت؛ لأني أحرجتها، وذهبت إليها وقلت لها إني لم أقصد ذلك، وأن تحفيظ الأبناء شيء جيد، ولكني كنت أتمنى أن تعملهم أمور العقيدة والتصرف، وكذلك هي ...
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن في حفظ القرآن الكريم خيراً عظيماً، يكفي في بيانه ما رواه أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها. رواه أبو داود. وقوله صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن، وعلمه. رواه البخاري.
إلا أنه ورغم هذا الفضل لا يجب حفظ شيء من القرآن سوى الفاتحة، لتوقف صحة الصلاة على قراءتها، كما ذهب إلى ذلك الجمهور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب. رواه البخاري.
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: وَاتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ حِفْظِ جَمِيعِهِ، وَأَنَّ ضَبْطَ جَمِيعِهِ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ لَا مُتَعَيِّنٌ. انتهى.
ويجب على من حفظ القرآن أو شيئا منه أن يتعاهده، وألا يفرط في هذه النعمة العظيمة.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في الفتاوى: فإن نسيان القرآن من الذنوب. انتهى.
وقال القرطبي رحمه الله: من حفظ القرآن أو بعضه، فقد علت رتبته بالنسبة إلى من لم يحفظه، فإذا أخل بهذه الرتبة الدينية حتى تزحزح عنها ناسب أن يعاقب على ذلك، فإن ترك معاهدة القرآن يفضي إلى الرجوع إلى الجهل، والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد. اهـ.
وانظري تفصيل أقوالهم في الفتوى رقم: 19089.
وإذا كان الإنسان البالغ يجهل أحكام الشرع الواجبة المتعلقة بالعقائد، والعبادات كالصلاة مثلاً، فإن الواجب في حقه تقديم معرفة هذه الأمور على حفظ القرآن ما عدا الفاتحة، فإنها داخلة في العبادات الواجب تعلمها وحفظها كما سبق.
و قولك: "إن الحافظ للقرآن كله بدون عقيدة سليمة لن يدخل الجنة" إطلاق غير صحيح، فقد تكون في العقيدة بعض البدع التي لا تخرج صاحبها من دائرة الإسلام، وتكون بذلك عقيدة غير سليمة إلا أن صاحبها مآله إلى الجنة، ولو عذب قبلها لأجل هذه البدع.
وأما عن ختم القرآن كله تلاوة في مدة، فلا يجب ختمه في مدة معينة، ولا يجب على المسلم أن يقرأ كل يوم شيئا منه إلا أنه يكره له أن يؤخر ختم القرآن أكثر من أربعين يوماً.
قال ابن قدامة رحمه الله: لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله عبد الله بن عمرو في كم يختم القرآن، قال: في أربعين يوماً، ثم قال: في شهر، ثم قال: في عشرين، ثم قال: في خمس عشرة، ثم قال: في عشر، ثم قال: في سبع. لم ينزل من سبع. أخرجه أبو داود. انتهى.
وقال إسحاق بن راهويه رحمه الله: يكره للرجل أن تمر عليه أربعون يوماً لا يقرأ القرآن فيها. انتهى.
وأما عن تحفيظ الأبناء لأجل المشاركة في المسابقات، فالواجب أن يغرس في قلوب الأبناء حفظ القرآن للقرآن لا شيء مادي، ولا مانع من تحفيزهم على الحفظ بشيء من الجوائز ونحوها.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 56544، 117015.
والله أعلم.