السؤال
من المعلوم أن من عقيدة أهل السنة: أن مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار، ما لم يكفر باستحلالها، لكن يشكل علي ذلك في ضوء بعض الآيات مثل آية الربا في سورة البقرة: "ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " وعن القاتل المتعمد في سورة النساء "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما"
وقد قرأت أن هناك من يفسرها بأنها محمولة على الكافر، ولكن كيف ذلك والكافر مخلد في النار بكفره أصلا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد تعددت أقوال أهل السنة في وجوه حمل هاتين الآيتين ونحوهما.
فأما آية الربا، فمنهم من جعلها في حق من استحلّ الربا، وقال ما نهاه الله عنه في صدر الآية: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا [البقرة:275]، ولا شك أن قائل هذا الكلام إن كان عالماً بما يقول، فإنه معترض على الله في شرعه، وحكمه، ومعقب عليه في أمره، ونهيه وهذا كافر، ويخلد في النار.
ومنهم من جعلها في المسلم العاصي، وأوَّلَ الخلود هنا بالمكث الطويل. وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 193529.
وكذلك تعددت أقوال العلماء في آية القتل. وقد سبق بيانها في الفتوى رقم: 203833.
وأيا كان الراجح من هذه الوجوه، فقد اتفق أهل السنة على تأويل هذه النصوص؛ توفيقا بين ظواهرها الظنية الدلالة، وبين ما دل عليه الكتاب والسنة دلالة قاطعة من عدم خلود المسلم في النار بذنب، ما لم يستحله؛ ولذا وجب تأويل هاتين الآيتين ونحوهما من المتشابهات، من باب رد المتشابه إلى المحكم؛ إيمانا بكل منهما، كما هو سبيل الراسخين في العلم؛ قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ {آل عمران:7}.
قال النووي رحمه الله: وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة، وَمَا عَلَيْهِ أَهْل الْحَقّ مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف أَنَّ مَنْ مَاتَ مُوَحِّدًا، دَخَلَ الْجَنَّة قَطْعًا عَلَى كُلّ حَال... وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّة الْكِتَاب، وَالسُّنَّة، وَإِجْمَاع مَنْ يُعْتَدّ بِهِ مِنْ الْأُمَّة عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَة, وَتَوَاتَرَتْ بِذَلِكَ نُصُوص تَحَصَّلَ الْعِلْم الْقَطْعِيّ. فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَة حُمِلَ عَلَيْهَا جَمِيع مَا وَرَدَ مِنْ أَحَادِيث الْبَاب وَغَيْره. فَإِذَا وَرَدَ حَدِيث فِي ظَاهِره مُخَالَفَة، وَجَبَ تَأْوِيله عَلَيْهَا لِيَجْمَع بَيْن نُصُوص الشَّرْع. اهـ.
وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 137828.
والله أعلم.