السؤال
إذا دخلت القلب شبهة، وحاول الشخص دفعها بالعلم والمدافعة، وبعد ذلك لا تريد أن تخرج من قلبه، والمشكلة أنها في العقيدة وتوحيد الربوبية. فهل يعتبر قلبه في أكنة أو مختوم عليه؟ أم ماذا؟ وما هو الحل في إخراجها من القلب؟ والبعد عنها وتناسيها لا يذهبها؟.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشبهات خطرها عظيم، وأما عن دفعها وإخراجها من القلب، فيكون أولا بالبعد عن سماعها والاسترسال مع الشيطان فيها، وعن مخالطة أهل الضلال وسماع أقوالهم، فإن القلوب ضعيفة، وكان أئمة السلف مع سعة علمهم يعرضون عن سماع الشبهات، كما أخرج عبد الرزاق في المصنف عن معمر قال: كنت عند ابن طاووس وعنده ابن له إذ أتاه رجل يقال له صالح يتكلم في القدر، فتكلم بشيء فتنبه، فأدخل ابن طاووس إصبعيه في أذنيه وقال لابنه: أدخل أصابعك في أذنيك واشدد، فلا تسمع من قوله شيئاً، فإن القلب ضعيف. اهـ
وقال الإمام الذهبي: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة. اهـ.
وما أجمل النصيحة التي قالها شيخ الإسلام ابن تيمية لتلميذه ابن القيم ـ وذكرها ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة ـ حيث قال: قَالَ لي شيخ الإسلام ـ رضي الله عَنهُ ـ وَقد جعلت أورد عَلَيْهِ إيرادًا بعد إِيرَاد: لا تجعل قَلْبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها فَلَا ينضح إلا بهَا, وَلَكِن اجْعَلْهُ كالزجاجة المصمتة تمر الشُّبُهَات بظاهرها, وَلَا تَسْتَقِر فِيهَا, فيراها بصفائه, ويدفعها بصلابته، وَإِلَّا فإذا أشربت قَلْبك كل شُبْهَة تمر عَلَيْهَا صَار مقرًّا للشبهات. اهـ.
وينبغي كذلك أن يسأل الشخص أهل العلم عن الشبه التي تلبس بها قلبه حتى يبينوا له، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: وإن أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله، وإذا شك في نفسه شيء سأل رجلا، فشفاه منه. أخرجه البخاري.
ويضاف لهذا كثرة الاشتغال بالقرآن وتدبره، فقد قال ابن القيم: جماع أمراض القلب هي أمراض الشبهات والشهوات والقرآن شفاء للنوعين، ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل فتزول أمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه... وأما شفاؤه لمرض الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار فيرغب القلب السليم إذا أبصر ذلك فيما ينفعه في معاشه ومعاده، ويرغب عما يضره فيصير القلب محباً للرشد مبغضاً للغي. انتهى.
والله أعلم.