الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جواز التنويع في صيغ أذكار وأفعال الصلاة

السؤال

بدايةً: أود أن أشكركم على سعة صدركم، وتلقيكم كافة الأسئلة، والإرشادات.
سؤالي: هل يجوز التنويع في طرق العبادات؟
على سبيل المثال: أنا لا أقلد عالما على حساب آخر من علمائنا الأربعة -رحمهم الله-، ففي الصلاة بداية من رفع اليدين في تكبيرة الإحرام؛ فإني أنوع بها بين الصلوات، أي: تارة أرفعها حتى أذناي، وتارة حتى المنكبين، وكذلك بدعاء الاستفتاح؛ ففي كل صلاة أقول دعاء، وكذلك في قبض اليدين، وأفعال كثيرة ثبتت عن رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
أفيدوني أفادكم الله، وجزاكم عنا خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن ما عبر عنه السائل بـ: "التنويع في طرق العبادات" أمر حسن ومطلوب، ويدخل في عموم إحياء السنة؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام: من أحيا سنة من سنتي، فعمل بها الناس، كان له مثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئا. رواه ابن ماجه، وقال الشيخ/ الألباني: صحيح لغيره. وهذا عام في كل كيفية أو صيغة ثبتت عنه صلى الله عليه عليه وسلم.

والأمثلة التي وردت في السؤال كلها لسنن ثابتة عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بطرق وكيفيات عدة:

1- فدعاء الاستفتاح سنة، وقد ورد بصيغ عديدة، ذكرنا أشهرها في الفتوى رقم: 28736. وقد اختار أصحاب كل مذهب إحدى تلك الصيغ؛ جاء في الموسوعة الفقهية: اختلف الفقهاء فيما يختارونه من الصيغ المأثورة على أقوال: الأول: قال جمهور الحنفية, والحنابلة: يستفتح بـ ( سبحانك اللهم وبحمدك . . . إلخ ) مقتصرا عليه، فلا يأتي بـ ( وجهت وجهي . . . إلخ )، ولا غيره في الفريضة.

الثاني: مذهب الشافعية في معتمدهم, وقول الآجري من الحنابلة: اختيار الاستفتاح بما في خبر علي: " وجهت وجهي . . . ". قال النووي من الشافعية: والذي يلي هذا الاستفتاح في الفضل حديث أبي هريرة يعني: " اللهم باعد . . . إلخ ".

الثالث: مذهب أبي يوسف صاحب أبي حنيفة, وجماعة من الشافعية, منهم: أبو إسحاق المروزي, والقاضي أبو حامد, وهو اختيار الوزير ابن هبيرة من أصحاب الإمام أحمد: أن يجمع بين الصيغتين الواردتين " سبحانك اللهم وبحمدك . . . " " ووجهت وجهي . . ." اهـ.

والذى استحسنه شيخ الإسلام -رحمه الله- هو: الإتيان بكل الصيغ الثابتة، بحيث يستفتح كل مرة بصيغة منها، حيث يقول: إذا استفتح تارة باستفتاح عمر، وتارة باستفتاح عليٍّ، وتارة باستفتاح أبي هريرة.. ونحو ذلك، كان حسنًا.

أما المالكية: فكرهوا دعاء الاستفتاح، وبعضهم يقول: إنه يكون بعد الإقامة وقبل الإحرام. وراجع في ذلك فتوانا رقم: 34214.

2- رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام سنة أيضًا، وله كيفيتان ثابتتان عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: إحداهما: الرفع إلى حذو المنكبين، والأخرى: الرفع إلى حذو الأذنين، وبكل من الكيفيتين أخذ جمع من العلماء، ولا بأس بالأخذ بأي من الكيفيتين شاء المرء، لأنهما ثابتتان عنه عليه الصلاة والسلام، جاء في المغني لابن قدامة: لا نعلم خلافا في استحباب رفع اليدين عند افتتاح الصلاة، وقال ابن المنذر: لا يختلف أهل العلم في أن النبي -صلى الله عليه و سلم- كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وقد ذكرنا حديث أبي حميد و[ روى ابن عمر قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعد ما يرفع رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين ] متفق عليه. وهو مخير في رفعهما إلى فروع أذنيه أو حذو منكبيه، ومعناه: أن يبلغ بأطراف أصابعه ذلك الموضع، وإنما خير؛ لأن كلا الأمرين مروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالرفع إلى حذو المنكبين في حديث أبي حميد، وابن عمر, وأبي هريرة, وهو قول الشافعي, وإسحاق, والرفع إلى حذو الأذنين رواه وَائِلُ بن حجر، ومالك بن الحويرث، رواه مسلم، وقال به ناس من أهل العلم، وميل أحمد إلى الأول أكثر. اهـ. وجاء في فتاوى نور على الدرب للعثيمين: على الإخوة الحريصين على فعل السنة في رفع اليدين: أن يرفعوا أيديهم إلى المناكب على الأقل، أو إلى فروع الأذنين، أو إلى شحمة الأذنين. والأحسن أن يفعل هذا مرة، وهذا مرة حتى يحيي السنة على جميع وجوهها. اهـ.

3- وضع اليد اليمنى على اليسرى سنة ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ففي صحيح البخاري عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم. أي: يسنده ويرفعه.

غير أن مكان وضع اليدين اختلفت فيه الروايات، فورد في بعضها أنه يكون على الصدر، وورد في أخرى أنه تحت السرة، فلو فعل الإنسان أيا من ذلك أصاب السنة، ولو فعل هذا مرة، وذاك أخرى، فهو حسن لإصابته جميع أوجه السنة كما قدمنا، جاء في المغني: اختلفت الرواية في موضع وضعهما؛ فروي عن أحمد أنه يضعهما تحت سرته، وروي ذلك عن علي, وأبي هريرة, وأبي مجلز, والنخعي, والثوري, وإسحاق, لما روي عن علي أنه قال: من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة. رواه الإمام أحمد, وأبو داود. وهذا ينصرف إلى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأنه قول من ذكرنا من الصحابة, وعن أحمد أنه يضعهما فوق السرة. وهو قول سعيد بن جبير, والشافعي, لما روى وائل بن حجر قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي, فوضع يديه على صدره إحداهما على الأخرى, وعنه أنه مخير في ذلك؛ لأن الجميع مروي, والأمر في ذلك واسع. اهـ. ولمزيد الفائدة راجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 3375، 230725، 185199.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني