السؤال
أحد أعمامي -هداه الله- كثير المشاكل منذ ثلاثين سنة، وهو يتسبب بالمشاكل في العائلة، وفي أغلب الأحوال يذهب إليه إخوانه ليتصالحوا معه رغم أخطائه بحجة أنه الكبير، لكن قبل سنة قام باتهام بعض إخوته بسرقة ورث والدهم الذي يديرونه بعد وفاته من غير أي دليل ولا برهان، وقام بالتشهير بهم بين الأقارب، ومنذ ذلك الوقت قرر البعض ترك التواصل معه نهائيا، ومنهم من يلقي عليه السلام بالجوال في المناسبات فقط، وعلى الرغم من تدخل بعض أهل الصلح لكن لم ينجحوا في حل المشكلة لرفض الذين اتهموا في ذمتهم إلا إذا اعتذر أخوهم منهم عن فعلته، وهو رافض أن يعتذر لأحد، وخلال هذه المشكلة قام يرمي بالتهم جزافا على الكل، وبأن له في أموالهم نصيب، هذا غير تهديداته لإخوانه وأبنائهم، وتشجيعه لأبنائه على التطاول على أعمامهم وإرسالهم رسائل تهديد لأبناء عمومتهم، وهو يحاول أن يقترب من إخوته لكن من دون أن يعتذر، وفي كل محاولة يظهر سوء أدبه هو وأبناؤه مما يزيد من تمسك إخوته بقرار هجره.
ما العمل مع إنسان لم تنفع معه جميع وسائل النصح؟ وهل يجوز هجره؟ وهل إذا طال الهجر تصبح قطيعة ويقع إثمها على الكل؟
ليس لدي مانع من ألقي على عمي وأبنائه السلام بالجوال والرسائل، لكن والدي يمنعني من ذلك، وأخاف عليه بسبب مرضه لو علم من أني خالفت أمره أو أن يغضب علي؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يصلح حال المسلمين أجمعين.
واعلم أن ما ذكرت أن عمكم يفعله يعتبر أفعالا لا يجوز فعلها، فإن ثبت فعله لها فعليه أن يتوب إلى الله تعالى منها، وأن يكف عن اتهام إخوانه بما لا دليل له عليه، وعن تشجيع أبنائه على إساءة الأدب مع أعمامهم .. وغير ذلك مما ذكر في السؤال.
وفي المقابل: على إخوته وأبنائهم بذل النصح له، وعدم هجره بالكلية ما لم يحصل لهم بصلته والكلام معه ضرر في الدين أو النفس أو المال، فحينئذ لا بأس بهجره، قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصًا على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. اهـ.
وإذا كان الأذى بالصلة يحصل لبعضهم دون البعض فإن جواز الهجر خاص بمن يحصل له الأذى، وعلى غيرهم أن لا يهجروه.
وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 139569 خلاف العلماء فيما يقع به قطع الهجر بين المسلمين، وأن أقل ما يتصور هو إلقاء السلام، وأن ذلك كاف لقطع الهجر المحرم عند بعض أهل العلم.
وذكرنا فيها أيضًا: أنه يُفرَّق بين الأقارب والأجانب، فإن الأقارب لا يقف الأمر فيهم مع مجرد قطع الهجر، بل هم مأمورون بالصلة؛ قال الحافظ ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): وفرق بعضهم بين الأقارب والأجانب؛ فقال في الأجانب: تزول الهجرة بينهم بمجرد السلام، بخلاف الأقارب. وإنما قال هذا لوجوب صلة الرحم. اهـ.
وعلى هذا؛ فما دمت -أنت أيها السائل- غير متضرر من صلة عمك فلا يكفي أن تلقي عليه السلام من خلال الجوال أو ما شابه، بل لا بد أن تصله، وليس لوالدك منعك من ذلك، وإن منعك فلا طاعة له في هذا، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه أحمد، وصححه الشيخ/ الألباني. ويمكنك أن تخفي عن والدك صلتهم تجنبًا لما يغضبه، وهكذا الحال بالنسبة للبقية من إخوانك أو أعمامك أو أبنائهم. وراجع للفائدة الفتويين التاليتين: 117848، 76904.
والصلة تتحقق بكل ما يعد صلة عرفًا، كما بينا في الفتوى رقم: 269998. وننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات في موقعنا.
والله أعلم.