السؤال
أرجو ردا شافيا، وجوابا كافيا، مفصلا، دون إحالة، وأرجو الإمعان التام فيما كتبت.
أعلم أن حكم استخدام البرامج غير الأصلية، هو الحرمة، ولكن عند الحاجة بصفة عامة، يجور الأخذ بالقول المرجوح في مسألة، أو مسألتين.
طيب، أنا طالب في هندسة الإلكترونيات، وأحتاج إلى أن أنزل برامج، وأنظر أقراصا، وأطلع على كتب، ومراجع.
أبي وأمي عندما علما -من غير قصد مني- أمراني ألا ألتفت إلى هذا، وأن الدين يسر، وأنا أعلم أن طاعة الأب والأم واجبة في الشبهات، ولكن حاجتي في بعض الأحيان لبعض الكتب وهكذا قد تكون تحسينية (لن يترتب عليها إلا المشقة النفسية؛ لأني لن أكون متميزا بالقدر الذي أريده) فخرجت من ذلك بمخرج آخر، وهو أن تكون الحاجة بدلا من أن تكون شخصية لمجرد الوظيفة، أن أحاول أن أتميز في هذا المجال بشكل أفضل بحيث أكون عالما فيه، وأصنع شيئا، خصوصا لأنها رغبة أمي، إذن سأفعل المحرم بناء على شيئين: (الضرورة الماسة لوجود علماء في هذا المجال، والاحتياج الماس لمثل هذا، وطاعة الأم في الشبهات) وأنا شغوف بمسألة الذكاء وغيرها، وعادة أطالع النت لتنميته، بحل الألغاز الصعبة، والمسائل الرياضية المعقدة، وتركيب الأنماط البصرية وغير ذلك. (طبعا بنية تنمية ذكائي حتى تنطبق علي الحاجة بحذافيرها)
فأخبروني ما هو الأسلم لي في ديني، وأين الفاضل والمفضول في هذه المسألة؟
وقد قرأت، وتتبعت كلام أهل العلم عن الحاجة المبيحة لارتكاب المحظور في الموسوعة الفقهية الكويتية، وفي كتاب: الفقه الإسلامي وأدلته، لوهبة الزحيلي، وكتاب: فتح العلي المالك، في الفتوى على مذهب مالك، للشيخ عليش، وقرارات مجمع الفقه الإسلامي ببروناي في تلك المسألة، وكتاب: القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير: لعبد الرحمن بن صالح العبد اللطيف.
والخلاصة أنهم اختلفوا في بعض الضوابط، وعلى هذا أدخل عند بعضهم في الحاجة، وعند آخرين لا أدخل؛ مما جعل الأمر مشتبها، وطاعة الأب والأم واجبة علي في الشبهات.
ثانيا: قلت لأمي إن أدى هذا الأمر إلى ارتكاب بعض الشبهات، والمكروهات ماذا أفعل؟ قالت: لا تلتفت.
فما رأيكم بهذا؟ وهل هذا صحيح وأفضل لي في ديني، وآخرتي؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنجمل الجواب عما سألت عنه في النقاط التالية:
أولا: لا يجوز لمن يعتقد حرمة الشيء، أن يقدم عليه لغير ضرورة، أو حاجة معتبرة تنزل منزلتها.
ثانيا: ضابط الحاجة كما قال الشاطبي في الموافقات: وأما الحاجيات فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة, ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج، والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراع دخل على المكلفين ـ على الجملةـ الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة. اهـ.
والمرء فقيه نفسه في ذلك.
ثالثا: لا طاعة للوالدين في معصية الخالق سبحانه، وارتكاب معاصيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه أحمد وغيره وصححه السيوطي.
رابعا: طاعة الوالدين في المشتبهات، أكثر العلماء على وجوبها.
قال القرافي في الفروق: قال الغزالي في الإحياء: أكثر العلماء على أن طاعة الوالدين واجبة في الشبهات دون الحرام، وإن كرها انفراده عنهما في الطعام، وجبت عليه موافقتهما، ويأكل معهما؛ لأن ترك الشبهة مندوب، وترك طاعتهما حرام، والحرام مقدم على المندوب. اهـ.
وقال الخادمي في كتابه: بريقة محمودية: إذا أمراه أطاعهما ما لم يُؤمر بالمعصية، وأما في الشبهات، فاختلف، فالأكثر الإطاعة؛ لأن ترك الشبهة ورع، ورضا الوالدين حتم. اهـ.
ففرق بين ما يعتقد المرء كونه معصية، وبين ما اشتبه أمره ولم يترجح لدى المرء حرمته؛ لاختلاف العلماء، وتضارب الأدلة فيه.
قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: ولو أمر الإمام، أو الحاكم إنسانا بما يعتقد الآمر حله، والمأمور تحريمه، فهل له فعله نظرا إلى رأي الآمر؟ أو يمتنع نظرا إلى رأي المأمور؟ فيه خلاف. اهـ.
وعليه، فلو اعتقد الابن حرمة ما طلبه منه الوالدان، فلا يطعهما، لكن ليتلطف في الرد والرفض. وليظهر محبتهما، وأنه لم يرفض رغبة عن أمرهما وبرهما، بل لكون ما أمراه به يترجح لديه تحريمه.
رابعا: البرامج المنسوخة، والكتب ونحوها مما اختلف فيه، وبعض العلماء يرى جوازها للنفع الشخصي دون المتاجرة والتكسب، وبعضهم يمنعها مطلقا. والأخذ بذلك هو الأحوط، لكن من قلد من يرى جواز الانتفاع بها دون تكسب ومتاجرة؛ لرجحان قوله لديه، وحاجته إليها لندرتها، أو غلو ثمنها ونحوه، فنرجو ألا يلحقه إثم.
والله أعلم.