السؤال
أثبت البحث أن الترتيب الذبذي لحروف سورة يس إذا قرئت على رأس إنسان، فإن تلك الذبذبة تكون هي المفتاح لتلك الثقوب، فما أن ينتهي الشخص من قراءتها حتى يكون قد وصل عدد ثقوب الفهم، والحفظ بعقله إلى ثلاثين ثقبًا تقريبًا، وهذا هو الإعجاز الحرفي الذبذي في القرآن الكريم، فما صحة هذه المعلومات من الناحية الشرعية -جزاكم الله ألف خير-؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالقول بأن البحث أثبت كذا وكذا هو ادعاء، لا تثبت به الحقائق العلمية، لا شرعًا، ولا كونًا، فكم من فرضيات، واحتمالات قيل فيها: إنها حقائق علمية، ثم تبين بطلانها لاحقًا، وأي علاقة بين سورة يس والثلاثين ثقبًا، فعدد حروف السورة كثير جدًّا يفوق الثلاثين، وكذا عدد آياتها يفوق الثلاثين بكثير، فينبغي صيانة القرآن عن مثل هذه الأوهام، وقد ذكر الشيخ محمد عبد العظيم الزُّرْقاني ـ رحمه الله ـ في كتابه مناهل العرفان كلامًا مهمًا في هذا المعنى يحسن أن ننقله بتمامه، حيث قال -رحمه الله-: تبين لنا أن العلوم الكونية خاضعة لطبيعة الجزر والمد، وأن أبحاثًا كثيرة منها لا تزال قلقة حائرة بين إثبات ونفي، فما قاله علماء الهيئة بالأمس ينقضه علماء الهيئة اليوم، وما قرره علماء الطبيعة في الماضي يقرر غيره علماء الطبيعة في الحاضر، وما أثبته المؤرخون قديمًا ينفيه المؤرخون حديثًا، وما أنكره الماديون، وأسرفوا في إنكاره باسم العلم أصبحوا يثبتونه، ويسرفون في إثباته باسم العلم أيضًا، إلى غير ذلك مما زعزع ثقتنا بما يسمونه العلم، ومما جعلنا لا نطمئن إلى كل ما قرروه باسم هذا العلم؛ حتى لقد ظهر في عالم المطبوعات كتاب خطير من مصدر علمي محترم عندهم، له خطورته، وجلالته، وشأنه، فصدع هذا الكتاب بناء علمهم، وزلزل أركانه الثقة به، بعد أن نقض بالدليل والبرهان كثيرًا من المقررات، والمسلمات التي يزعمونها يقينية، ثم انتهى بقارئه إلى أن هذا الكون غامض، متغلغل في الغموض، والخفاء، ومن هنا سمى تأليفه: الكون الغامض ـ وهذا المؤلف هو السير جيمس جينز، فهل يليق بعد ذلك كله أن نبقى مخدوعين مغرورين بعلمهم، الذي اصطلحوا عليه، وتحاكموا إليه، وقد سجنوه، وسجنوا أنفسهم معه في سجن ضيق هو دائرة المادة، تلك الدائرة المسجونة هي أيضًا في حدود ما تفهم عقولهم، وتصل تجاربهم، وقد تكون عقولهم خاطئة، وتجاربهم فاشلة؟؟! ثم هل يليق بعد ذلك كله أن نحاكم القرآن إلى هذه العلوم المادية القلقة الحائرة، بينما القرآن هو تلك الحقائق الإلهية العلوية القارة الثابتة، المتنزلة من أفق الحق الأعلى الذي يعلم السر وأخفى؟! ألا إن القرآن لا يفر من وجه العلم، ولكنه يهفو إلى العلم، ويدعو إليه، ويقيم بناءه عليه، فأثبتوا العلم أولًا، ووفروا له الثقة، وحققوه، ثم اطلبوه في القرآن، فإنكم لا شك يومئذ واجدوه، وليس من الحكمة، ولا الإنصاف في شيء أن نحاكم المعارف العليا إلى المعارف الدنيا، ولا أن نحبس القرآن في هذا القفص الضيق، الذي انحبست فيه طائفة مخدوعة من البشر، بل الواجب أن نتحرر من أغلال هذه المادة المظلمة، وأن نطير في سماوات القرآن، حيث نستشرف المعارف النورانية المطلقة، والحقائق الإلهية المشرقة، وأن نوجه اهتمامنا دائمًا إلى استجلاء عظات هذا التنزيل، وهداياته الفائقة، وألا نقطع برأي في تفاصيل ما يعرض له القرآن من الكونيات، إلا إن كان لنا عليه دليل، وبرهان لا شك فيه، ولا نكران، وإلا وجب أن نتوقف عن هذه التفاصيل، ونكل علمها إلى العالم الخبير، قائلين ما قالت الملائكة حين أظهر الله لهم على لسان آدم ما لم يكونوا يحتسبون: سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 17108، ورقم: 43698.
والله أعلم.