السؤال
بارك الله فيكم.
عندي محل كمبيوترات، وأحيانا يترك بعض الزبائن جهازه بعد إصلاحي له سنين عديدة، قد تصل إلى خمس سنين، ولا أعرف له جهة اتصال، وبعضهم لا يرد على الجوال، وبعضهم غير رقمه ولا أعرف له رقما آخر، وهذه الأجهزة سببت لي ضيقا في المكان، فما الحكم في مثل هذه الحالة؟
هل هناك سنوات معينة أنتظرها؟ أم أبيعها وأتصدق بثمنها بنية عن أصحابها؟ أم أبيعها وآخذ قيمة الإصلاح التي لي؟ أم يجوز لي التصرف فيها كيفما أشاء من بيعها وأكل ثمنها كاملا؟ أم ماذا؟
أنا في حيرة من أمري. جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأصحاب هذه الأجهزة إن جُهلوا جهلا تاما، ولم يمكن الوصول إليهم بحال، كانوا بمنزلة المعدوم، فتوضع أموالهم في المصالح العامة للمسلمين، أو يتصدق بها عنهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى الكبرى): المجهول كالمعدوم، وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في اللقطة: «فإن وجدت صاحبها فارددها إليه، وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء» فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن اللقطة التي عرف أنها ملك لمعصوم، وقد خرجت عنه بلا رضاه، إذا لم يوجد فقد آتاها الله لمن سلطه عليها بالالتقاط الشرعي، وكذلك اتفق المسلمون على أنه من مات، ولا وارث له معلوما، فماله يصرف في مصالح المسلمين، مع أنه لا بد في غالب الخلق أن يكون له عصبة بعيد، لكن جهلت عينه، ولم ترج معرفته فجعل كالمعدوم... فإنه لو عدم المالك انتقل الملك عنه بالاتفاق، فكذلك إذا عدم العلم به إعداما مستقرا، وإذا عجز عن الإيصال إليه إعجازا مستقرا، فالإعدام ظاهر... والدليل الثاني: القياس، مع ما ذكرناه من السنة والإجماع، أن هذه الأموال لا تخلو: إما أن تحبس، وإما أن تتلف، وإما أن تنفق، فأما إتلافها فإفساد، والله لا يحب الفساد، وهو إضاعة لها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن إضاعة المال... وأما حبسها دائما أبدا إلى غير غاية منتظرة، بل مع العلم أنه لا يرجى معرفة صاحبها ولا القدرة على إيصالها إليه، فهذا مثل إتلافها، فإن الإتلاف إنما حرم لتعطيلها عن انتفاع الآدميين بها، وهذا تعطيل أيضا بل هو أشد منه... فإذا كان إتلافها حراما وحبسها أشد من إتلافها تعين إنفاقها، وليس لها مصرف معين، فتصرف في جميع جهات البر والقرب التي يتقرب بها إلى الله؛ لأن الله خلق الخلق لعبادته، وخلق لهم الأموال ليستعينوا بها على عبادته، فتصرف في سبيل الله. اهـ.
وقال ابن القاسم في حاشيته على الروض المربع: الرهون والودائع ونحوهما من سائر الأمانات والأموال المحرمة كالسرقة والنهب، إذا جهل أربابها دفعها للحاكم أو تصدق بها عن ربها، بشرط ضمانها له؛ لأنه في الصدقة بها عنه جمعا بين مصلحة القابض بتبرئة ذمته ومصلحة المالك بتحصيل الثواب له. اهـ.
وفي (كشاف القناع) للبهوتي: (وليس لمن هي) أي: الغصوب والأمانات المجهولة أربابها (عنده أخذ شيء منها) ولو كان (فقيرا) من أهل الصدقة... وإذا أراد من بيده عين جهل مالكها أن يتملكها وأن يتصدق بقيمتها عن مالكها، فنقل صالح عن أبيه الجواز فيمن اشترى آجرا وعلم أن البائع باعه ما لا يملك ولا يعرف له أرباب: أرجو إن أخرج قيمة الآجر فتصدق به أن ينجو من إثمه. اهـ.
وعلى ذلك، فبإمكان السائل أن يضع هذه الأجهزة في أي مصلحة مباحة من المصالح العامة، وله أن يبيعها ويتصدق بثمنها عن صاحبها، كما أن له أخذ الأجرة المستحقة له على صاحبها من ثمنها، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 95389.
والله أعلم.