الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولكم العافية، والحفظ من كل مكروه، والذي ننصحكم به بعد تقوى الله تعالى والمحافظة على الفرائض والبعد عن المحرمات أن تكثروا من الدعاء واللجوء إلى الله تعالى، وخاصة في أوقات الإجابة عند السَّحر وبين الأذان والإقامة وفي السجود، ويمكنكم علاج السحر بالرقية الشرعية، وقد قدمنا الكلام عليها بالفتوى رقم: 80694.
واحرصوا على التحصن بسورة البقرة والمواظبة على أذكار الصباح والمساء المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي موجودة وميسرة في كتيبات صغيرة وفي متناول الجميع.
ولا شك أن من الخطأ الكبير، والمنكر والحرام البين القيام بالسحر، وطلب فعله من السحرة، فقد قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال : الشرك بالله، والسحر... الحديث. رواه البخاري، ومسلم. وفي الحديث: ليس منا من سحر أو سحر له. رواه الطبراني، وصححه الألباني.
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا فسأله، فصدق بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ. رواه أبو يعلى، والبزار، ورجاله ثقات كما قال الهيثمي.
ومع هذا كله فإن حق الأبوين عظيم، فالله تعالى قد أمر بالإحسان للوالدين ولو كانا كافرين مجتهدين في إضلال ولدهما، قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14-15}.
ومن أعظم الإحسان إليهما السعي في إصلاحهما وهدايتهما إلى الصراط المستقيم، ومن أهم الوسائل لتحقيق هذه الغاية الدعاء فهو سلاح المؤمن وعدته لدفع البلاء وجلب الرخاء، قال الله سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.
ومن الوسائل أيضا النصح بأسلوب طيب وبالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يلزم أن يكون هذا النصح من قبل الأبناء، بل يمكن أن يقوم به كل من يغلب على الظن أن يكون قوله مؤثرا عليهما من قريب أو صديق أو فاضل عاقل، وينبغي أيضا مداراتهما بالإهداء ونحوه والتلطف.
ثم انه يجب عليكم البعد عن اتهام زوجة العم وغيرها بأنها سحرتكم إن لم يكن عندكم دليل بين بذلك، فالاتهام بالسحر لا يجوز.
وأما إذا دعا الوالد ابنه لحضور مجالس المبتدعة واتباع طريقتهم فلا تلزم طاعته، ولا سيما ان كانت المجالس يحصل بها الشرك، فقد صح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه.
وقال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه أحمد وصححه السيوطي والألباني.
وقال السعدي في (بهجة قلوب الأبرار): هذا الحديث قيد في كل من تجب طاعته من الولاة، والوالدين، والزوج، وغيرهم، فإن الشارع أمر بطاعة هؤلاء، وكل منهم طاعته فيما يناسب حاله، وكلها بالمعروف، فإن الشارع رد الناس في كثير مما أمرهم به إلى العرف والعادة، كالبر والصلة والعدل، والإحسان العام، فكذلك طاعة من تجب طاعته، وكلها تقيد بهذا القيد، وأن من أمر منهم بمعصية الله بفعل محرم أو ترك واجب، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله... اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي ـ رحمه الله تعالى ـ: ...وحيث نشأ أمر الوالد أو نهيه عن مجرد الحمق لم يلتفت إليه أخذاً مما ذكره الأئمة في أمره لولده بطلاق زوجته، وكذا يقال في إرادة الولد لنحو الزهد ومنع الوالد له أن ذلك إن كان لمجرد شفقة الأبوة فهو حمق وغباوة فلا يلتفت له الولد في ذلك... وبهذا يعلم أنه لا يلزم الولد امتثال أمر والده بالتزام مذهبه؛ لأن ذلك حيث لا غرض فيه صحيح مجرد حمق، ومع ذلك كله فليحترز الولد من مخالفة والده فلا يقدم عليها اغترارا بظواهر ما ذكرنا بل عليه التحري التام في ذلك... فتأمل ذلك فإنه مهم. اهـ
والله أعلم.