الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خدمة الأبوين عند حاجتهما إليها وعجزهما عن القيام عليها بالنفس أو بالمال حق واجب على الأبناء الذكور والإناث يتولونها بأنفسهم أو يستأجرون عليها من يتولاها، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 127286.
والبر بالجدين واجب، كالأبوين، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: والجد وإن علا كالأب في هذا، وسواء كان من قبل الأب، أو من قبل الأم، في قول أكثر مسقطي القصاص عن الأب. انتهى.
وفي شرح صحيح البخاري لابن بطال: قال ابن المنذر: والأجداد آباء، والجدات أمهات، فلا يغزو المرء إلا بإذنهم، ولا أعلم دلالة توجب ذلك لغيرهم من الإخوة، وسائر القرابات. انتهى.
وقال الحطاب في كتابه مواهب الجليل: وَذَكَرَ فِي الْإِكْمَالِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ أَنَّ بِرَّ الْأَجْدَادِ كَالْآبَاءِ. انتهى.
فإذا لم يكن عند جديك من العيال إلا أنت وعمتك، فيجب عليكما التعاون على رعايتهما والصبر على ما تلقيانه من طبعهما، وذلك لقول الله تعالي: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء:23}.
وفي هذا نهي عن كل ما يؤذي الوالدين ولو بكلمة واحدة، أو تصرف يحمل معاني الغضب ويجرح مشاعرهما, بل يجب أن يكون التعامل معهما بالحسنى والقول الكريم الذي يدخل البهجة والسرور عليهما، واعلمي أن رعاية الجدين تجب على الحي من أولادهما المباشرين، فإن امتنع لزمت الأبعد، قال ابن نجيم في شرح كنز الدقائق: وأشار المصنف بقوله: ولأبويه ـ إلى أن الاعتبار في وجوب نفقة الوالدين والولدين إنما هو القرب والجزئية، ولا يعتبر الميراث, قالوا وإذا استويا في القرب تجب على من له نوع رجحان, وإذا لم يكن لأحدهما رجحان، فحينئذ تجب النفقة بقدر الميراث، فإن كان للفقير ولد، وابن ابن موسرين، فالنفقة على الولد، لأنه أقرب، وإذا كانت له بنت وابن ابن، فالنفقة على البنت خاصة وإن كان الميراث بينهما، لأن البنت أقرب, وإذا كانت له بنت، أو ابن بنت، وأخ لأب وأم، فالنفقة على ولد البنت ذكرا كان أو أنثى، وإن كان الميراث للأخ لا لولد البنت, ولو كان له والد وولد موسران، فالنفقة على ولده، وإن استويا في القرب لترجح الولد بتأويل: أنت ومالك لأبيك ـ ولو كان له جد وابن ابن، فالنفقة عليهما على قدر ميراثهما، على الجد السدس والباقي على ابن الابن، والدليل على عدم اعتبار الميراث في هذه النفقة أنه لو كان أحدهما ذميا، فالنفقة عليهما، وإن كان الميراث للمسلم منهما, ولو كان للمسلم الفقير ابن نصراني، وأخ مسلم، فالنفقة على الابن، والميراث للأخ, ولو كان للفقير بنت ومولى عتاقة موسران، فالنفقة على البنت، وإن استويا في الميراث, كذا في الذخيرة. اهـ.
وقال ابن عابدين في تنقيح الفتاوى الحامدية: قال في أنفع الوسائل: فإن كان الأقرب معسرا والأبعد موسرا، فاعلم أن عبارة الأصحاب اختلفت هنا، فقال في البدائع لو كان له ابن، وابن ابن، والابن معسر، وابن الابن موسر، فالنفقة على الابن إن لم يكن زمنا، لأنه هو الأقرب، ولا سبيل إلى إيجاب النفقة على الأبعد مع قيام الأقرب، إلا أن القاضي يأمر ابن الابن يؤدي عنه على أن يرجع عليه إذا أيسر، فيصير الأبعد نائبا عن الأقرب، وذكر في موضع آخر قال: والأصل في هذا أن كل من يحوز جميع الميراث وهو معسر، جعل كأنه كالميت، وإذا جعل كالميت كانت النفقة على الباقين على قدر مواريثهم، وكل من كان يحوز بعض الميراث لا يجعل كالميت، فكانت النفقة على مواريث من يرث معه. اهـ.
وبناء عليه، فحرضي عمتك على القيام برعايتهما، وإن أصرت على عدم القيام بواجبها، فيتعين عليك القيام برعايتهما بقدر طاقتك مع استئذان أمك، وإن أمكن أن تجمعي بين رعايتهما والسكن مع أمك، فهو أفضل، قال ابن قدامة في المغني: فأما البالغ الرشيد، فلا حضانة عليه، وإليه الخيرة في الإقامة عند من شاء من أبويه, فإن كان رجلًا فله الانفراد بنفسه، لاستغنائه عنهما, ويستحب أن لا ينفرد عنهما, ولا يقطع بره عنهما, وإن كانت جارية لم يكن لها الانفراد ولأبيها منعها منه، لأنه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها, ويلحق العار بها وبأهلها, وإن لم يكن لها أب فلوليها وأهلها منعها من ذلك. اهـ.
والله أعلم.