السؤال
أولًا: كنت أعمل في محل وقد سرقت أغراضًا بقيمة تقريبية 5000 ريال، ولكني تبت إلى الله، ولا أستطيع ردها لأني طالب في الجامعة، والمكافأة 1000، وهي لا تكفي لمستلزماتي الشخصية، ولا أستطيع ردها في القريب، ولأني لا يستجاب لي دعاء فخشيت أن يكون بسبب عدم رد المظالم لأهلها، فهل يجوز أن أعمل لديه بدون راتب لسداد ديني بدون أن يعلم أني أعمل لتسديد الدين، أي: أذهب للمحل وأخبره أني أحتاج خبرة، ومستعد أن أعمل بدون راتب، ولكن نيتي سداد ديني؟
وسؤالي الآخر: هل تستجاب دعوة السارق بعد التوبة قبل أن يرد المظالم لأهلها؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يتقبل توبتك، وأن يمحو حوبتك، واعلم أن من شروط التوبة مما فيه مظلمة للعباد -كالسرقة، ونحوها-: التحلل من أصحاب الحقوق برد المظالم إليهم، أو طلب العفو، والمسامحة منهم؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه، أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار، ولا درهم؛ إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. وفي الحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. أخرجه أصحاب السنن، وصححه الترمذي، والحاكم.
والمسروق إذا كانت عينه باقية، فيجب رده، ولا يجزئ رد المثل، أو القيمة -إلا إن رضي صاحب الحق بذلك-؛ جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: إذا كان ما يستحق استرداده قائمًا بعينه، فإنه يرد بعينه؛ كالمغصوب، والمسروق، والأصل في ذلك قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} {النساء:58}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: على اليد ما أخذت حتى ترد. اهـ. باختصار. وفيها: السارق يجب عليه رد العين المسروقة إن كانت قائمة اتفاقًا، فإن هلكت، أو استهلكت وجب عليه رد مثلها إن كانت مثلية، وإلا فقيمتها. اهـ.
لكن إذا هلك عين المسروق فيجب رد مثله إن كان له مثل، وإن لم يكن له مثل فحينئذ يصار إلى رد القيمة؛ جاء في المنثور في القواعد الفقهية: قال الصيرفي: وأما رد المضمون فأقسام:
الأول: ما عينه موجودة؛ فيكلف رده، إلا أن يختار المالك خلافه.
الثاني: أن تنقص العين، فيردها، وقيمة نقصها، إن لم يوجد مثل النقص، كحنطة نقص منها جزء.
الثالث: أن تفوت العين، فيلزمه مثلها، كالحنطة، والزيت؛ لأن المثل موجود في نفسه، ويسقط الاجتهاد في القيمة، وما ليس له مثل، أو لا يمكن فعل المثل، كشق ثوب رجل، فلا يشق ثوب الآخر؛ لأن ذلك فساد عليهما في الأموال، وكل ما كان مثله من جنسه يتفاضل، ولا يتحصل، فالرجوع إلى القيمة، كالإحراق بالنار، والرمي بالشيء في البحر. اهـ.
فالأصل أنه يجب عليك رد الأغراض إن كانت باقية، وإلا فمثلها إن كان له مثل، وإن لم يكن لها مثل فيجب قيمتها.
وأما ما ذكرته بقولك: "فهل يجوز أن أعمل لديه بدون راتب لسداد ديني بدون أن يعلم أني أعمل لتسديد الدين، أي: أذهب للمحل، وأخبره أني أحتاج خبرة، ومستعد أن أعمل بدون راتب، ولكن نيتي سداد ديني؟
فليس بحل للمشكلة، ولا يبرئ الذمة من الحق الذي عليها؛ إذ ليس لعملك على ذلك الوجه الذي ذكرت أي أجرة؛ لكونك تعمل لصالحك، ولا تريد مقابلًا كما ذكرت (أحتاج خبرة، ومستعد أن أعمل بدون راتب).
فالذي ننصحك به هو طلب العفو، والسماح من صاحب المحل، ولو بطريق غير مباشر، بألا تخبره بأنك أنت السارق؛ كأن ترسل له رسالة بأن شخصًا سرق منه أغراضًا، ويطلب منه أن يسامحه، فإذا سامحك بعدُ، فقد برئت ذمتك بذلك -إن شاء الله-، ولا يلزمك أن ترد له شيئًا، وإن لم يسامحك صاحب المحل، فانتظر إلى أن توسر، وتتمكن من ردّ حقّه إليه.
وأما ما يتعلق بإجابة الدعاء: فإن السارق إذا تاب إلى الله -جل وعلا-، وعجز عن رد الحقّ إلى صاحبه، ولم يسامحه، وعزم عزمًا صادقًا على رد الحق إلى صاحبه متى أمكنه ذلك: فيرجى ألا يحول ذلك بينه وبين إجابة الله لدعائه؛ لأنه قد فعل ما يقدر عليه، وكما قال سبحانه: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:286}.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 180237.
والله أعلم.