السؤال
أنا فتاة بدينة، شرهة للطعام، ولكي أخفف من الشراهة لأفقد وزني كنت أحلف أني سأبدأ نظامًا غذائيًّا، وإن خالفته يكون عليّ صيام شهور متواصلة بدون كفارة مال، ثم كنت أعود للطعام، وتتراكم عليّ الشهور، ووصل بي الأمر الآن أني لا أستطيع مقاومة الأكل، وأشعر أن حياتي متوقفة، وأشعر أن هذا من غضب الله عليّ؛ لأني تهاونت في القسم، فماذا عليّ أن أفعل لأمحو ما على عاتقي؟ علمًا أني لا أقوي على صيام الأيام، ولا أملك مالًا حاليًّا للسداد، أريد النصح.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحلفك: إن خالفتِ النظام الغذائي صمت شهورًا، هو نذر لجاج، وأنت مخيرة بين الوفاء به أو الكفارة عنه، وانظري الفتوى رقم: 109293.
فإن صمتِ أجزأ عنك، فإن لم تصومي، فكفارة يمين، والكفارة هي المذكورة في قول الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}.
ومن ثم؛ فالواجب عليك إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، ولا يجزئك صوم ثلاثة أيام إلا إذا عجزت عن الإطعام، والكسوة.
وقولك: بدون كفارة مال... لغو لا يترتب عليه شيء؛ فالله هو الذي شرع كفارة اليمين، وليس لك إلغاء صفتها، بل قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الفتاوى: وَأَمَّا قَوْلُ الْحَالِفِ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي عَلَى مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، أَوْ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَلْزَمُهُ بِالطَّلَاقِ؛ لَا مَنْ يجوزُ فِي الْحَلِف بِهِ كَفَّارَةٌ، أَوْ فَعَلَيَّ الْحَجُّ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، أَوْ فَعَلَيَّ كَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَلْزَمُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ فَعَلَيَّ كَذَا عَلَى أَغْلَظِ قَوْلٍ قِيلَ فِي الْإِسْلَامِ، أَوْ فَعَلَيَّ كَذَا أَنِّي لَا أَسْتَفْتِي مَنْ يُفْتِينِي بِالْكَفَّارَةِ فِي الْحَلِف بِالطَّلَاقِ، أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا، وَلَا أَسْتَفْتِي مَنْ يُفْتِينِي بِحِلِّ يَمِينِي، أَوْ رَجْعَةٍ فِي يَمِينِي، وَنَحْوَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَغْلُظُ فِيهَا اللُّزُومُ تَغْلِيظًا يُؤَكِّدُ بِهِ لُزُومَ الْمُعَلِّقِ عِنْدَ الْحِنْثِ؛ لِئَلَّا يَحْنَثَ فِي يَمِينِهِ؛ فَإِنَّ الْحَالِفَ عِنْدَ الْيَمِينِ يُرِيدُ تَأْكِيدَ يَمِينِهِ بِكُلِّ مَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ مِنْ أَسْبَابِ التَّأْكِيدِ، وَيُرِيدُ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ الْحِنْثِ فِيهَا بِكُلِّ طَرِيقٍ يُمْكِنُهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يُخْرِجُ هَذِهِ الْعُقُودَ عَنْ أَنْ تَكُونَ أَيْمَانًا مُكَفِّرَةً، وَلَوْ غَلَّظَ الْأَيْمَانَ الَّتِي شَرَعَ اللَّهُ فِيهَا الْكَفَّارَةَ بِمَا غَلَّظَ، وَلَوْ قَصَدَ أَلَّا يَحْنَثَ فِيهَا بِحَالِ: فَذَلِكَ لَا يُغَيِّرُ شَرْعَ اللَّهِ، وَأَيْمَانُ الْحَالِفِينَ لَا تُغَيِّرُ شَرَائِعَ الدِّينِ، بَلْ مَا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَمَرَ بِهِ قَبْلَ يَمِينِهِ فَقَدْ أمرَ بِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَالْيَمِينُ مَا زَادَتْهُ إلَّا تَوْكِيدًا، وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُفْتِيَ أَحَدًا بِتَرْكِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ، وَلَا بِفِعْلِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَلَوْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ؟ انتهى.
والله أعلم.