السؤال
سألني رجل عدة أسئلة دينية فأجبته عنها، وسأذكر المحادثة التي جرت بيننا لتقولوا لي هل كانت إجابتي صحيحة أم لا؟ حيث قال لي: حبب إليَّ الذكور دون الإناث، فأنا لا أجد فيهن شهوة، وأتخيل أنني أمارس ما يفعل مع الإناث مع الذكور، فما حكم ذلك؟ فقلت فيه خلاف هل هو حرام أم حلال، لكنه إن قاد إلى محرم فهو حرام.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز أن يفتي الإنسان بغير علم، لأن الفتوى بغير علم قول على الله بغير علم، وقد قرن الله القول عليه بغير علم بالشرك، فقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف:33}.
قال ابن القيم في مدارج السالكين: وأما القول على الله بلا علم، فهو أشد هذه المحرمات تحريما وأعظمها إثما، ولهذا ذكر في المرتبة الرابعة من المحرمات التي اتفقت عليها الشرائع والأديان، فقال: وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ـ فهذا أعظم المحرمات عند الله وأشدها إثما، فإنه يتضمن الكذب على الله ونسبته إلى ما لا يليق به، وتغيير دينه وتبديله، ونفي ما أثبته وإثبات ما نفاه، وتحقيق ما أبطله وإبطال ما حققه، وعداوة من والاه وموالاة من عاداه، وحب ما أبغضه، وبغض ما أحبه، ووصفه بما لا يليق في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله، فليس في أجناس المحرمات أعظم عند الله منه ولا أشد منه ولا أشد إثما، وهو أصل الشرك والكفر، وعليه أسست البدع والضلالات، فكل بدعة مضلة في الدين أساسها القول على الله بلا علم. انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية: الإفتاء بغير علم حرام, لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى ورسوله, ويتضمن إضلال الناس وهو من الكبائر, لقوله تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ـ فقرنه بالفواحش والبغي والشرك, ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور العلماء, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء, حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا, فسئلوا, فأفتوا بغير علم, فضلوا وأضلوا ـ من أجل ذلك كثر النقل عن السلف إذا سئل أحدهم عما لا يعلم أن يقول للسائل: لا أدري، نقل ذلك عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ والقاسم بن محمد والشعبي ومالك وغيرهم... انتهى.
وبناء عليه، فلا يجوز لك الكلام فيما لا علم لك به، ولو سئلت عن شيء تعلمه فيجوز لك الجواب عنه بما علمت ولا يشترط أن تكون عالما، ففي فتاوى الشيخ العثيمين: إذا سئل المسلم عن شيء يعرفه من أمور الدين فإن عليه أن يجيب لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: بلغوا عني ولو آية ـ ولكن إذا قال له السائل مثلا من أين علمت أن هذا حكمه كذا وكذا، فليسنده إلى من سمعه منه من العلماء حتى يكون السائل مطمئنا، أما إذا كان لا يعلم فإنه لا يجوز له أن يخبره ولا عبرة لما يشتهر بين العامة، فإن العامة قد يشتهر عندهم أن هذا الشيء جائز وهو ليس بجائز، وقد يشتهر عندهم أن هذا ليس بجائز وهو جائز، لكن إذا كان يعلم الحكم عن عالم من العلماء الموثوق بعلمهم فعليه أن يخبر به وإلا فإنه يجب عليه أن يتوقف، لقول الله تبارك وتعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ـ ولقوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا. اهـ.
وأما عما يتعلق بالتخيلات الجنسية: فهي محرمة إن كان المتخيل فيها ذكرا، بل صرح أهل العلم بتحريمها في حق الأعزب الذي يتخيل أنه يجامع زوجته وهو غير متزوج، فكيف بمن تخيل أنه يجامع ذكرا، فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز للشاب الأعزب أن يفكر في الجماع، أعني يتخيل أنه يجامع زوجته وهو لم يتزوج بعد؟ فأجابت: لا يجوز له ذلك، لأنه ذريعة إلى ارتكاب الفاحشة والوقوع في الشر والفساد. انتهى.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 111167، 47520، 15558، 105292.
والله أعلم.