السؤال
وهبت عمتي عمارة لأبي، ولبناته أرضا، ولأولاده أرضا برسالة خطية وقعت عيها، ولكنها عند وفاة والدي ـ عليه رحمة الله ـ تراجعت، فهل لها ذلك؟ علما بأن أبي قبض عقارا وأرضا مازالت باسمها، فهل أصبح مال ورثة؟ أم لها حق الرجوع؟.
وجزاكم الله خيرا.
وهبت عمتي عمارة لأبي، ولبناته أرضا، ولأولاده أرضا برسالة خطية وقعت عيها، ولكنها عند وفاة والدي ـ عليه رحمة الله ـ تراجعت، فهل لها ذلك؟ علما بأن أبي قبض عقارا وأرضا مازالت باسمها، فهل أصبح مال ورثة؟ أم لها حق الرجوع؟.
وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مثل هذه القضية من قضايا المنازعات والخصومات، والقول فيها هو من شأن القضاء، وليس من اختصاص المفتين، والفتوى لا تكفي أصلا في قضايا الخصومات، ولا ترفع النزاع، فضلا عن أن الحكم في أي قضية نزاع يفتقر إلى السماع من طرفي القضية، ولا يصح البتة الحكم بناء على قول طرف واحد، فالذي ينبغي هو الرجوع إلى القضاء الشرعي للبت والفصل في مثل هذا الموضوع، وقد ذكرنا ضمن التعريف بمنهجية الفتوى في موقعنا: الاعتذار للسائل وإحالته للقضاء الشرعي في مسائل الخصومات، والمناكرات، لكن من حيث العموم: إن كان الموهوب له قد قبض الهبة فليس لعمته الرجوع في هبتها له قولا واحدا، قال ابن قدامة: فحصل الاتفاق على أن ما وهبه الإنسان لذوي رحمه المحرم غير ولده، لا رجوع فيه، وكذلك ما وهب الزوج لامرأته، والخلاف فيما عدا هؤلاء. اهـ.
وانظر في هذا الفتوى رقم: 118975.
وأما إن كان الرجوع قبل القبض والحيازة، فقد اختلف العلماء في حكم الرجوع، بناء على اختلافهم في اشتراط القبض للزوم الهبة، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الإيجاب والقبول ركن من أركان الهبة باتفاق الفقهاء، أما القبض: فلابد منه لثبوت الملك، وذلك عند الحنفية والشافعية، لأن الملك لو ثبت بدونه للزم المتبرع شيء لم يلتزمه، وهو التسلم فلا تملك بالعقد، بل بالقبض، لما روي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: إن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال: والله، يا بنية ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك، ولا أعز علي فقرا بعدي منك، وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا، فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث، وما ذهب إليه الحنفية والشافعية هو رأي بعض الحنابلة، والرأي الآخر للحنابلة: أن الهبة تملك بالعقد، فيصح التصرف من الموهوب له فيها قبل القبض، كذا في المنتهى وشرحه، وهو الذي قدمه في الإنصاف وعلى رأي الحنفية والشافعية، ومن رأى رأيهم من الحنابلة: يجوز الرجوع فيها قبل القبض، لأن عقد الهبة لم يتم، ولكنه عند من يرى ذلك من الحنابلة يكون مع الكراهة، خروجا من خلاف من قال: إن الهبة تلزم بالعقد، وعند المالكية: تملك الهبة بالقبول على المشهور، وللمتهب طلبها من الواهب إن امتنع ولو عند حاكم، ليجبره على تمكين الموهوب له منها لكن قال ابن عبد السلام: القبول والحيازة معتبران في الهبة، إلا أن القبول ركن والحيازة شرط، أي في تمامها، فإن عدم لم تلزم، وإن كانت صحيحة. اهـ.
والذي نفتي به أن للواهب الرجوع في الهبة قبل أن يقبضها الموهوب له ويحوزها، وراجع للفائدة في هذا الفتوى رقم: 33868.
وأما قبض العقار: فإنه يكون بالتخلية والتمكين من التصرف، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أن قبض العقار يكون بالتخلية والتمكين من اليد والتصرف، فإن لم يتمكن منه بأن منعه شخص آخر من وضع يده عليه، فلا تعتبر التخلية قبضا، وقيد الشافعية ذلك بما إذا كان العقار غير معتبر فيه تقدير، أما إذا كان معتبرا فيه ـ كما إذا اشترى أرضا مذارعة ـ فلا تكفي التخلية والتمكين، بل لابد مع ذلك من الذرع، كما اشترط الحنفية أن يكون العقار قريبا، فإن كان بعيدا فلا تعتبر التخلية قبضا، وهو رأي الصاحبين وظاهر الرواية والمعتمد في المذهب، خلافا لأبي حنيفة، فإنه لم يعتبر القرب والبعد، واستظهر ابن عابدين أن المراد بالقرب في الدار بأن تكون في البلد، ثم إنهم نصوا على أن العقار إذا كان له قفل، فيكفي في قبضه تسليم المفتاح مع تخليته، بحيث يتهيأ له فتحه من غير تكلف. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 59810.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني