السؤال
قبل وفاة والدي بفترة سحب قرضا ربويا من البنك، وكنا لا نعلم أن القرض حرام، وتم صرف المبلغ، مع العلم أنه من بنك في سوريا، ونحن الآن خارج البلاد، ولم نعد نستفيد من القرض، وقد تركنا كل شيء وسافرنا، فماذا أفعل بالنسبة للقرض؟ وكيف أدفع ديون والدي؟ وهل يحاسب عليها؟ وكيف نتوب من هذا القرض؟.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرحم والدك، وموتى المسلمين، وأما عن اقتراض والدك قرضا ربويا: فإن كان عن جهل منه بحرمة ذلك فيرجى ألا يكون عليه إثم ـ إن شاء الله ـ لمكان الجهل، قال ابن عثيمين: العذر بالجهل ثابت بالقرآن والسنة، لقول الله تبارك وتعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة:286} فقال الله تبارك وتعالى: قد فعلت ـ ولقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ {الأحزاب:5} أي: ما تعمدت قلوبكم فعله على وجه مخالفة الشرع، وكذلك في السنة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة قضايا تدل على العذر بالجهل، منها ما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طلعت الشمس ولم يؤمروا بالقضاء، ومنها: حديث عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ حين أصبح صائماً فكان يأكل، وكان قد وضع تحت وسادته عقالين أحدهما أبيض والثاني أسود، وجعل يأكل حتى تبين له العقال الأبيض من العقال الأسود فأمسك، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بذلك بياض النهار وسواد الليل، وليس بياض الخيط الذي هو الحبل الأبيض من الأسود، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، ثم إن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ {النساء:165} وهذا يدل على أنه إذا لم يكن ثمة رسل فإن لهم الحجة على الله، وكذلك لو كان لهم رسل ولكن لم يعلموا بذلك، لأنه لا فرق بين ألا يكون له رسول، وبين أن يكون له رسول لم يعلم به، وقال الله تبارك وتعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ {القصص:59} والآيات في هذا المعنى عديدة ولهذا نقول: كل إنسان فعل شيئاً محرماً جاهلاً به فإنه ليس عليه إثم، ولا يترتب عليه عقوبة، لأن الله تعالى أرحم من أن يعذب من لم يتعمد مخالفته ومعصيته، ولكن يبقى النظر إذا فرط الإنسان في طلب الحق، بأن كان متهاوناً، ورأى ما عليه الناس ففعله دون أن يبحث، فهذا قد يكون آثماً، بل هو آثم بالتقصير في طلب الحق، وقد يكون غير معذور في هذه الحال، وقد يكون معذوراً إذا كان لم يطرأ على باله أن هذا الفعل مخالفة، وليس عنده من ينبهه من العلماء، ففي هذه الحال يكون معذوراً، فالخلاصة إذاً: أن الإنسان يعذر بالجهل، لكن لا يعذر في تقصيره في طلب الحق. اهـ.
وراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 138799.
وينبغي عليكم الدعاء لوالدكم والاستغفار له بكل حال، وأما قضاء القرض الربوي: فالواجب عليكم قضاء الدين الذي أخذه والدكم، وأما الزيادة الربوية على القرض فلا يجوز لكم قضاؤها للبنك، لأنها محرمة شرعا، إلا إذا أجبرتم قسراً على دفعها، وإنما يجب عليكم قضاء دين والدكم إن كان قد خلَّف ما يقضى به الدين الذي استدانه، وأما إذا لم يترك وفاء لدينه، فإنه لا يجب على ورثة الميت أصلا التبرع بقضاء دين مورثهم إذا لم يخلف ما يقضى به دينه، وإنما يستحب، قال السعدي في كتابه القواعد والأصول الجامعة: القاعدة السادسة والخمسون: يقوم الوارث مقام مورثه في كل شيء ـ لأنه لما مات الميت وانتقل ماله إلى ورثته، وهو ما خلفه من أعيان أو ديون، أو حقوق، فناب الوارث مناب مورثه في مخلفاته، فيطالِب بالديون المتعلقة بالموروث، ويقضي الوارث ديونَه، وينفذ وصاياه إن لم يكن له وصي، وله أن يتصرف في التركة، ولو كان الموروث مدينا بشرط ضمان الوارث الدينَ المتعلق بالتركة، ولكن لا يُطالَب الوارث بأكثر مما وصل إليه من التركة، لأنه لم يكن شريكا للميت، وإنما بمنزلة النائب عنه في موجوداته. اهـ.
قال ابن عثيمين في شرحه: يعني لو كان الدين الذي على الميت ألفا، وتركته خمسمائة، فإنه لا يطالب الوارث بأكثر من الخمسمائة، لأنه لم يصل إليه من مال الميت إلا هذا، ولا يُلزم أيضا بقضاء دين والده، يعني لو كان الميت الذي عليه الدين والده، وكان دينه أكثر من تركته، فإنه لا يلزم الولد أن يقضي الدين عن أبيه، ومن باب أولى بقية الورثة، ولكن إن تبرع وقضى عن والده، فهذا من بره. اهـ.
وانظر الفتويين رقم: 21734 43613.
وراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 193983.
والله أعلم.