الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما السؤال الأول: فإيضاح إشكاله، يتبين بالتنبيه على أن جبريل -عليه السلام- شأنه ابتداءً شأن بقية الملائكة: خلقوا لعبادة الله تعالى، والتسبيح بحمده، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [الأعراف: 206]، وقال عز وجل: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ [الأنبياء: 19، 20]، وقال تبارك وتعالى: فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ [فصلت: 38]، وقال سبحانه: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غافر: 7]، وقال: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ [الشورى: 5].
وهذا وحده كاف لإبطال أصل السؤال: (لماذا إلى الآن جبريل حي)؟
فإذا جمع إلى هذا أن وظيفة جبريل -عليه السلام- لا تقتصر -بعد عبادة الله تعالى- على تبليغ الوحي للأنبياء، كان الأمر أوضح وأبين.
ومما ذكر في كتاب الله تعالى عن أعمال جبريل غير تبليغ الوحي: إهلاك المكذبين للرسل، المعاندين للحق، كقوم لوط، وقوم صالح، فقد أهلكهم الله بالصيحة، وقال عامة المفسرين: إنها صيحة من جبريل -عليه السلام- وقد ذكر القومين تباعًا في سورة واحدة، فقال تعالى في قوم لوط: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ [الحجر: 73]، وقال في قوم صالح أصحاب الحجر: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ [الحجر: 83]، وكذلك أهلك قوم شعيب، قال تعالى: وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ [هود: 94] وقوم صاحب يس، كما قال تعالى: إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ [يس: 29].
ومن ذلك أيضا: إرساله إلى مريم لينفخ فيها روح عيسى -عليه السلام- قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا [مريم: 16 - 20].
قال ابن كثير في تفسيره: قوله: {فاتخذت من دونهم حجابًا} أي: استترت منهم وتوارت، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام {فتمثل لها بشرا سويًّا} أي: على صورة إنسان تام كامل. قال مجاهد، والضحاك، وقتادة، وابن جريج، ووهب بن منبه، والسدي، في قوله: {فأرسلنا إليها روحنا} يعني: جبريل، عليه السلام. وهذا الذي قالوه هو ظاهر القرآن، فإنه تعالى قد قال في الآية الأخرى: {نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين} [الشعراء: 193، 194]. اهـ.
ومما ورد في السنة عن أعمال جبريل -عليه السلام- ما رواه الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل: إن الله يحب فلانًا، فأحببه، فيحبه جبريل. فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحبّ فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثمّ يوضع له القبول في الأرض.
ومن ذلك: إنباع ماء زمزم لإسماعيل، وأمه هاجر، قال الشيخ الدكتور عمر الأشقر في كتاب: (عالم الملائكة الأبرار): ومن ذلك إرسال الله جبريل لإغاثة أم إسماعيل في مكة، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمّه هاجر إلى أرض مكة -وهي قصة طويلة- وفيها أن أمّ إسماعيل سعت سعي الإنسان المجهود بين الصفا والمروة سبع مرات، تبحث عن الماء، (فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا، فقالت: صه! تريد نفسها، ثمّ تسمعت أيضًا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه، أو قال: بجناحه، حتى ظهر الماء ... فقال لها الملك: لا تخافوا الضّيعة، فإن ههنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله). وهذا الملك الذي جاءها هو جبريل، ففي المسند عن ابن عباس، عن أبيّ بن كعب قال: (إن جبريل لما ركض زمزم بعقبه، جعلت أم إسماعيل تجمع البطحاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله هاجر أم إسماعيل، لو تركتها لكانت عينًا معينًا). اهـ.
ومما ذكر في ذلك على وجه الإجمال أن جبريل -عليه السلام-: موكل بحاجات العباد، ذكر ذلك السيوطي في كتاب (الحبائك في أخبار الملائك)، وقال: أخرج الصابوني في المائتين، والبيهقي في شعب الإيمان، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن جبريل موكل بحاجات العباد، فإذا دعا المؤمن قال الله: يا جبريل، احبس حاجة عبدي؛ فإني أحبه، وأحب صوته. وإذا دعا الكافر قال الله: يا جبريل، اقض حاجة عبدي؛ فإني أبغضه، وأبغض صوته".
وأخرج البيهقي عن ثابت قال: بلغنا أن الله تعالى وكل جبريل عليه السلام بحوائج الناس، فإذا دعا المؤمن قال: يا جبريل، احبس حاجته؛ فإني أحب دعاءه، وإذا دعا الكافر، قال: يا جبريل، اقض حاجته؛ فإني أبغض دعاءه. قال البيهقي: هذا هو المحفوظ.
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق ثابت، عن عبد الله بن عمير قال: إن جبريل موكل بالحوائج، فإذا سأل المؤمن ربه قال: احبس احبس؛ حبًّا لدعائه أن يزداد، وإذا سأل الكافر قال: أعطه أعطه؛ بغضًا لدعائه.
وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي ذر قال: إن الله يقول: يا جبريل، انسخ من قلب عبدي المؤمن الحلاوة التي كان يجدها لي، قال: فيصير العبد المؤمن والهًا طالبًا للذي كان يعهد في نفسه، نزلت به مصيبة لم ينزل به مثلها قط، فإذا نظر الله إليه على تلك الحال، قال: يا جبريل، رد إلى قلب عبدي ما نسخت منه، فقد ابتليته فوجدته صادقًا، وسأمده من قبلي بزيادة. اهـ.
وتجد أجوبة بقية أسئلته في ما يلي:
السؤال الثاني في الفتوى رقم: 11642.
وجواب الثالث في الفتاوى التالية أرقامها: 8825، 270238، 331060، 151969.
وجواب الرابع في الفتويين: 226648، 118176.
وجواب الخامس في الفتاوى التالية أرقامها: 267307، 13679، 78038.
وجواب السابع في الفتوى رقم: 192017.
وجواب الثامن في الفتوى رقم: 157907.
وجواب التاسع في الفتوى رقم: 18663.
وأما السادس فلا يستحق مجرد القراءة فضلا عن الرد!!! وقريب منه السابع، فإنه هزؤ من القول، وسخف من الكلام، لا يقوله عارف بالعربية وأوجه البيان والبلاغة فيها، وقائل هذا حقيق بقوله لغيره: (اذهب وتعلم العربية)!!
وراجع في القاديانية ومعتقداتهم الفتويين: 5419، 95424.
والله أعلم.