السؤال
أعمل محاسبًا، وأدخل بيانات مالية في إحدى الجهات الحكومية، وأحيانًا تأتيني معاملة قرض من البنك مقيدة وجاهزة لأحد الموظفين الذين يعملون لدينا في المنشأة، ويتم بعدها إدخال القسط، مع أننا لا ندري عن الفوائد التي بين البنك والموظف، حيث يشعرنا البنك بأن نستقطع مبلغًا معينًا من راتب الموظف؛ حتى يشعرنا البنك بوقف القسط للموظف، فما حكم هذا العمل؟ وما حكم تحويل كشوفات الاستقطاعات من رواتب الموظفين، وهي عبارة عن قروض الموظفين الذين يعملون لدينا في المنشأة إلى البنوك؟ وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن عمل السائل في الصورة المذكورة في سؤاله، وإن كان لا ينشئ قرضًا ربويًّا، إلا إنه يقرُّه، ويعين على تنفيذه! لا يجوز، وقد سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله-: أنا محاسب لدى شركة تجارية، وتضطر هذه الشركة للإقراض من البنك قرضًا ربويًّا، وتأتيني صورة من عقد القرض لإثبات مديونية الشركة، بمعنى هل أعتبر آثمًا بقيد العقد دون إبرامه؟
فأجاب: لا يجوز التعاون مع الشركة المذكورة في المعاملات الربوية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم: لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه وقال: هم سواء ـ رواه مسلم، ولعموم قوله سبحانه: ولا تعاونوا على الإثم والعدوان {المائدة: 2}. اهـ.
وورد على اللجنة الدائمة للإفتاء السؤال التالي: لدي مكتب محاسب قانوني، نقوم فيه بعمل مراجعة البيانات المالية للمؤسسات والشركات، من واقع الدفاتر المحاسبية التي لدى المؤسسة، وذلك بغرض إظهار نتيجة المراجعة في نهاية السنة المالية في شكل ميزانيات وتقارير عن الوضع المالي للمؤسسة؛ لتقديمها عن طريق المؤسسة لإحدى الدوائر الحكومية، أو لأحد البنوك، أو لمصلحة الزكاة والدخل، وكذلك نقوم بعملنا خلال السنة للمراقبة على أموال المؤسسة من التلاعب والاختلاسات، ولديّ بعض الأسئلة أرجو من سماحتكم الرد عليها: قد يظهر لي بعض حسابات المؤسسات في بنود الميزانية حسابات مع البنوك، وتكون هذه الحسابات دائنة، أي: مطالبة بها المؤسسة نتيجة لحصولها على قرض من هذا البنك، أو نتيجة سحبها أكثر من رصيدها؛ مما يترتب عليه أن يقوم البنك بأخذ فوائد على ذلك، أي: ربا، وبطبيعة عملنا فإننا نقوم بإظهار هذا الحساب مع بقية الحسابات الأخرى في الميزانية، وذلك من واقع دفاتر وسجلات المؤسسة، وكشوف البنك، ولا نستطيع إسقاطه من بقية الحسابات، ويجب إظهاره لكي تعبر الميزانية عن الواقع الحقيقي للمؤسسة، فهل علينا إثم في ذلك، وهل نعتبر من الشاهدين على الربا؟...
فأجابت اللجنة: لا يجوز لك أن تكون محاسبًا لما ذكرت في السؤال؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان. اهـ.
وسئلت أيضا: ما المقصود بكاتب الربا في حديث جابر برواية مسلم قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء؟ فهل كاتب الربا هو كاتب تلك الواقعة فقط؟ أم ممكن يكون أي فرد آخر بعيد تمامًا عن المنشأة الربوية، إلا أنه بواقع عمله كمحاسب يقوم بجمع أرقام، أو طرح أرقام في دفاتر أخرى غير المستندات الربوية، حيث يلزم ذلك، فهل يعتبر ذلك المحاسب كاتب ربا، أم اللفظ خاص بكاتب تلك الواقعة لا يتعدى لغيره، ولا يتعدى اللعن لغيره؟
فأجابت: حديث لعن كاتب الربا عام، يشمل كاتب وثيقته الأولى، وناسخها إذا بليت، ومقيد المبلغ الذي بها في دفاتر الحساب، والمحاسب الذي حسب نسبة الربا وجمعها على أصل المبلغ، أو أرسلها إلى المودع، ونحو هؤلاء. اهـ.
وراجع للفائدة الفتويين رقم: 47199، ورقم: 51992.
ولذلك؛ فإننا ننصح في مثل هذه الأحوال التي تقر الربا، أو تستلزم الإعانة عليه، بترك العمل والبحث عن غيره، إلا أن يكون صاحبه مضطرًّا إليه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 94932.
والله أعلم.