السؤال
هل قام النبي عليه السلام بالولاء والبراء؟ إلى أين الحد فيها؟ وهل نوالي كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، ولو كان بدعيًّا؟ كذلك نبرأ من حزبي وغيرهم الذين يزعمون أنهم مسلمون؟
هل قام النبي عليه السلام بالولاء والبراء؟ إلى أين الحد فيها؟ وهل نوالي كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، ولو كان بدعيًّا؟ كذلك نبرأ من حزبي وغيرهم الذين يزعمون أنهم مسلمون؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بالسؤال غير واضح على وجه التحديد.
وعمومًا: فإن القاعدة الشرعية هي موالاة المؤمنين، ومعاداة الكافرين والبراءة منهم، وأما المسلم الفاسق، فيُوالى ويُحب بقدر ما فيه من إيمان، ويعادى ويبغض بقدر ما فيه من عصيان، قال ابن تيمية: فمن كان مؤمنًا وجبت موالاته من أي صنف كان، ومن كان كافرًا وجبت معاداته من أي صنف كان، قال تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون* ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون}، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض}، وقال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}، وقال تعالى: {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء}، وقال تعالى: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا}، وقال تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه}.
ومن كان فيه إيمان وفيه فجور، أعطي من الموالاة بحسب إيمانه، ومن البغض بحسب فجوره، ولا يخرج من الإيمان بالكلية بمجرد الذنوب والمعاصي، كما يقوله الخوارج، والمعتزلة، ولا يجعل الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون بمنزلة الفساق في الإيمان، والدين، والحب والبغض، والموالاة والمعاداة، قال الله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين}، {إنما المؤمنون إخوة}، فجعلهم إخوة مع وجود الاقتتال والبغي. اهـ.
وقال: والمؤمن عليه أن يعادي في الله، ويوالي في الله، فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه، وإن ظلمه؛ فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية، قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين * إنما المؤمنون إخوة}، فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي، والأمر بالإصلاح بينهم.
فليتدبر المؤمن الفرق بين هذين النوعين، فما أكثر ما يلتبس أحدهما بالآخر، وليعلم أن المؤمن تجب موالاته، وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته، وإن أعطاك وأحسن إليك؛ فإن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب؛ ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه، والبغض لأعدائه، والإكرام لأوليائه، والإهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه، والعقاب لأعدائه. وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور، وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة: استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته. هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وخالفهم الخوارج، والمعتزلة، ومن وافقهم عليه، فلم يجعلوا الناس لا مستحقًّا للثواب فقط، ولا مستحقًّا للعقاب فقط. اهـ.
وقال أيضًا: معلوم أنه في كل طائفة بر، وفاجر، وصديق، وزنديق، والواجب موالاة أولياء الله المتقين من جميع الأصناف، وبعض الكفار والمنافقين من جميع الأصناف، والفاسق الِملِّيُّ يعطى من الموالاة بقدر إيمانه، ويعطى من المعاداة بقدر فسقه، فإن مذهب أهل السنة والجماعة أن الفاسق الملي له الثواب والعقاب إذا لم يعف الله عنه، وإنه لا بد أن يدخل النار من الفساق من شاء الله، وإن كان لا يخلد في النار أحد من أهل الإيمان، بل يخلد فيها المنافقون كما يخلد فيها المتظاهرون بالكفر. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 113503.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني