السؤال
أبي كان عنده سيارة ميكروباص أجرة، وعنده ورشة نجارة، وكان يدفع تأمينات اجتماعية على سيارة الميكروباص، حتى عندما يصل سن المعاش يتقاضى معاشًا، فلما وصل سن المعاش أخذ الراتب، ولكن الراتب توقف، ووكلني أن أراجع التأمينات، فقال لي الموظف: إنه يجب أن يدفع تأمينات على الورشة مدة ١٥ سنة فائتة؛ لأنه باع السيارة، ولكن هذه غلطة الموظف، فبدل أن يقول له: ادفع على الورشة، كان أبي يدفع على رخصة السيارة بعد أن باعها، ومَضَّاني الموظف على أن أدفع المبلغ مع غرامة التأخير، فلو دفعت المبلغ وأخذنا المعاش، فهل هذا حرام؟ وبالنسبة لي: فأنا من سيدفع، فهل هذا حرام عليّ؟ مع العلم أن هذه التأمينات تبع التأمينات الاجتماعية لدولة مصر. أفيدوني -جزاكم الله خيرًا-.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر جل العلماء المعاصرين أن التأمينات الاجتماعية التي تقوم عليها الدولة، وتتكفل بها، وليس الغرض منها الاسترباح، بل الغرض منها دعم الموظفين الذين يبلغون سنًّا معينًا لا يستطيعون معها العمل، أو يطرأ عليهم ما يمنعهم منه -كالإعاقة مثلًا- بحيث يشارك العامل بمبلغ بسيط، وتدفع الدولة الباقي، فإن هذا النوع لا حرج فيه، قال الشيخ محمد الصديق الضرير: ... لا أعلم خلافًا في جواز الضمان الاجتماعي. انتهى من مجلة مجمع الفقه الإسلامي. وذكر الشيخ السالوس في موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي ما يلي:
التأمين الاجتماعي ليس تأمينًا خاصًّا بشخص، يخشى خطرًا معينًا، حتى يندرج تحت التأمين التجاري، وإنما هو تأمين عام ، لا يهدف إلى الربح، ولكن يهدف إلى مساعدة مجموعة من الأفراد، قد يكثر عددهم جدًّا، فيصل إلى الملايين، مثل ما تقوم به دول للتأمين على أبنائها من العمال والموظفين، مما يُعرف بنظام التقاعد، أو المعاشات... اهـ.
وجاء في أبحاث هيئة كبار العلماء حول التأمينات الاجتماعية التي تكون الدولة طرفًا فيها ما يلي: التأمين الاجتماعي : يقوم على فكرة التضامن الاجتماعي؛ لتأمين الأفراد الذين يعتمدون في معاشهم على كسب أيديهم، من بعض الأخطار التي قد يتعرضون لها، فتعجزهم عن العمل؛ كالمرض، والشيخوخة، والبطالة، والعجز، ويكون في الغالب إجباريًّا، ويشترك في دفع القسط مع العامل صاحب العمل والدولة، وتتحمل الدولة دائمًا أكبر نسبة من أجزاء القسط المدفوع إلى المؤمن. وهذا النوع من التأمين يعتبر مظهرًا من مظاهر السياسة العامة للدولة، فهي التي تخطط برامجه، وتحدد نطاقه؛ ضمانًا لمصالح الطبقات المختلفة في المجتمع، ورفع مستواها، وقد تكون الدولة الطرف المؤمن، ومن صور هذا النوع: التأمينات التقاعدية، والاجتماعية، والصحية، وغيرها من أنواع التأمينات العامة. اهـ.
وبناء عليه؛ فإذا كانت التأمينات الاجتماعية المذكورة من هذا القبيل، وكانت الدولة هي القائمة عليه، والمتكفلة به، فلا بأس حينئذ بدفعك لذلك المبلغ عن أبيك، والانتفاع بما يغطيه ذلك التأمين الاجتماعي، يقول الشيخ الزحيلي -رحمه الله تعالى- في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته: إن التأمينات الاجتماعية التي تدفعها الدولة، أو صندوق المعاشات والتأمين، أو مصلحة التأمينات للعمال والعاملين والموظفين في الدولة كلها، في تقديري جائزة؛ لأن الدولة ملزمة برعاية مواطنيها في حال العجز، والشيخوخة، والمرض، ونحو ذلك من إعاقة العمل، أو الكسب. اهـ.
والله أعلم.