السؤال
والدي يعاني من الوسواس القهري، ودائم التشكيك بالناس، وقاطع لعلاقته بإخوانه وأخواته، وأبنائه، وأغلب المجتمع من حوله.
ومطلق لثلاث نساء، ودائم الانفعال في أي حديث أو نقاش لا يعجبه.
ويأمر أبناءه بقطيعة الرحم من الأهل والأقارب (الذين يعتبرهم أعداء في نظره) وإذا علم بزيارة أبنائه لصلة الرحم، ينفعل في النقاش ويهدد بقتل أو الاعتداء على بعض الأشخاص يسميهم أثناء النقاش.
وعند مناقشة أهل الاختصاص من الأطباء، قالوا بأنه مصاب بالوسواس القهري منذ الصغر، ولحظة الانفعال قد يرتكب نفس الجريمة التي يتوعد بها، أو قد يفقد عقله.
فإما أن نفعل ما يطلبه من قطيعة للرحم حتى يكون مرتاح البال، أو نصل الأرحام، ويحدث ما لا تُحمد عقباه.
فما الحكم الشرعي في ذلك؟
وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فمن المعلوم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلا يطاع الوالد في قطيعة الرحم، ويمكنكم أن تصلوا أرحامكم بدون علم والدكم، ولكن صلة الرحم درجات منها ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب. كما أن الشرع حين أمر بصلة الرحم لم يبين مقدار صلة الرحم ولا جنسها، ولم يحصرها في الزيارة، بل يرجع فيها إلى العرف، فما تعارف الناس عليه أنه صلة فهو الصلة، وما تعارفوا عليه أنه قطيعة فهو القطيعة.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: صلة الرحم ما فيها حد، لا في المدة، ولا في الكيفية، ولا بالذي يوصل به مال أو كسوة أو غيره، فجاءت النصوص مطلقة، صلة رحم، فما عده الناس صلة فهو صلة، وما عدوه قطيعة فهو قطيعة ..اهـ.
والأرحام أيضا ليسوا في درجة واحدة، فمنهم المحارم وهؤلاء تجب صلتهم، ومنهم غير المحرم، وهؤلاء اختلف الفقهاء في وجوب صلتهم، فمنهم من قال تجب، ومنهم من قال تستحب.
فالأمر إذن واسع، يمكن معه أن تجمعوا بين صلة أرحامكم وعدم إغضاب والدكم، فيجب عليكم أن تصلوا أرحاكم بالحد والكيفية التي يسقط بها الواجب عنكم، وتبرأ به ذمتكم، ولا يطاع الوالد في قطع هذا الحد الواجب، وليكن ذلك من غير إعلامه به.
ونسأل الله له الشفاء، وانظر الفتوى رقم: 234154 في بيان درجات صلة الرحم، والفتوى المحال عليها فيها، في ماهية الرحم الواجب صلتها.
والله تعالى أعلم.