السؤال
إذا كان هناك شخص لديه مال حرام، وقام باستخدامه في كسب مال حلال، فما الحكم في الثلاث صور، وأريد ذكر أي خلاف للعلماء في أي صورة وكلامهم:
1. أن يستخدمه بصورة مباشرة: كأن يستخدم المال الحرام الذي لديه رأس مال في مشروع، ويكسب منه، كشراء بضائع وبيعها، والعمل تاجرًا.
2. أن يعمل عملًا مباحًا، ويستخدم المال الحرام في شراء أدوات تكون وسائل تساعده في عمله هذا، كشراء سيارة يعمل عليها، أو حاسوب يعمل عليه، بحيث يكون معظم عمله، أو كله معتمدًا عليه.
3. أن يستخدمه في شراء أشياء تساعده هو جسديًّا، وحياتيًّا أثناء فترة عمله، مثل: الطعام، والملابس، والهاتف -ليس للعمل به-، ولكنه يستخدمه للتواصل مع الناس في حياته، بمن فيهم أصحاب العمل، ولكن عمله لا يعتمد على الهاتف، وكشراء سيارة يذهب بها للعمل؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما في الصورتين الثانية، والثالثة، فالأمر واضح، فهذا المال الحرام، لم يتجر به، أو يشتري به عروض تجارة، وإنما اشترى به سلعًا تنفعه في عمله - كليًّا، أو جزئيًّا -، والتصرف في المال الحرام بشراء هذه السلع، يثبت به المال في ذمة آخذه، ويجب عليه التخلص من قدره؛ وبذلك يطيب له ما اشتراه.
فإن تعلق به حق الغير، كأن يكون مغصوبًا، أو مسروقًا، وأمكن رده إلى صاحبه، وجب ذلك، وتعين، وإلا تصدق به عن صاحبه، وانظر في ذلك الفتاوى: 57390، 307696، 18275.
وكذلك الحال في الصورة الأولى، إن كان المال الحرام قد أخذ برضا دافعه، كثمن الخمر مثلًا، جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية ما ملخصه: من كسب مالًا حرامًا برضاء الدافع، ثم تاب - كثمن خمر، ومهر البغي، وحلوان الكاهن -، فالقابض إذا لم يعلم التحريم ثم علم، جاز له أكله. وإن علم التحريم أولًا، ثم تاب، فإنه يتصدق به. كما نص عليه أحمد في حامل الخمر. وللفقير أكله، ولولي الأمر أن يعطيه أعوانه. وإن كان فقيرًا، أخذ هو كفايته له. اهـ. وانظر الفتوى: 46021.
وإما إن كانت الحرمة بسبب الغصب، والسرقة، ونحو ذلك مما يتعلق به حق الغير، فهذا هو محل البحث والنظر، حيث اختلف أهل العلم في الربح الناشئ عن استثمار المال الحرام بالتجارة به، جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية في المال الحرام الذي عرف ربه: هل يلزمه رده إليه، أم لا؟ قولان. اهـ.
والقول الأول من هذين القولين: أن الربح يتبع رأس المال، وليس للغاصب منه شيء، وهذا قول أبي حنيفة، وأحمد في ظاهر المذهب، وابن حزم من الظاهرية.
والقول الثاني: أن الربح تبع للجهد المبذول، لا لرأس المال، ومن ثم؛ يكون الربح الناشئ من استثمار المال الحرام للغاصب، وعليه ضمان المال المغصوب لصاحبه، وهذا قول المالكية، والشافعية.
والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا الربح يقسم بين الغاصب والمغصوب منه؛ لأنه حصل بمال هذا وعمل هذا، فلا يختص أحدهما بالربح، بل يجعل الربح بينهما، كما لو كانا مشتركين شركة مضاربة، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتاوى: 57000، 50753، 53640.
والله أعلم.