السؤال
مشكلتي أن أمي تخرج دائما بلباس غير محتشم، وهذا سبب لي قلقا وضغوطا نفسية كبيرة، نصحتها كثيرا، وتطوّر الأمر حتى حصلت بيننا مشاكل، وأصبحت لا أطيقها حتى في طريقة كلامها وتصرّفها. أنا الآن أعيش معها، وأريد معرفة ما يستوجبه منّي الشرع تجاهها في حالة عدم قبولها بالاحتشام والصلاة. وهل يمكنني أن أهجرها؛ لأني لم أعد قادرا على العيش معها، وهذا أثّر على صحّتي بسبب الاكتئاب المتواصل؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على غيرتك على حرمات الله، وهذا من شأن المؤمن، فإنه يغضب إذا انتهكت حرمات الله، روى البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما انتقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه في شيء يؤتى إليه حتى تنتهك من حرمات الله، فينتقم لله.
وسعيك في سبيل إصلاح أمك هو المسلك الصواب، وهو من أفضل أنواع البر بها، ولا تيأس أبدا في هذا السبيل، فاستمر في نصحها، والمطلوب في النصيحة الرفق، فذلك أرجى لأن تؤتي به النصيحة ثمارها، وأن تكون الاستجابة، ولذلك حثت السنة عليه، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه. وإذا كان هذا في حق عامة الناس، فإنه يتأكد في حق الأم لتأكد أمر برها، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى: 134356.
فاستمر في النصح ما رجوت أن تنتفع به، وقد يكون من الأفضل أن تسلط عليها بعض الفضلاء، فربما كان النصح حينئذ أجدى وأنفع. وإذا خشيت أن لا يجدي نفعا، وربما زادها عنادا، فالأولى تركه، قال الله تبارك وتعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى {الأعلى:9}.
جاء في تفسير السعدي لهذه الآية قوله: فذكر بشرع الله وآياته، إن نفعت الذكرى، أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة ـ سواء حصل من الذكرى جميع المقصود أو بعضه ـ ومفهوم الآية: أنه إن لم تنفع الذكرى ـ بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير ـ لم تكن الذكرى مأموراً بها، بل منهياً عنها. اهـ.
ولا تنس أن تكثر من الدعاء لها بخير، فربما استجاب الله دعاءك، وأصلح حالها في لحظة، فهو الذي يملك الهداية، وقلوب العباد بين يديه يقلبها كيف يشاء.
وهجر الوالدين - والأم خاصة - لمعصيتهما منعه بعض أهل العلم، وأجازه بعضهم في حدود ضيقة، فيمكن الاطلاع على كلامهم بهذا الخصوص في الفتوى: 216838، والغالب عدم جدواه، وربما زادها عنادا، فليس من الحكمة المصير إليه على كل حال.
والله أعلم.