السؤال
ما هو موجود عندنا في هذه الأيام أن الوزارة ألغت الامتحانات، وجعلت مكانه بحثا يقوم به الطالب بنفسه، ويرسله للمدرسة، وكان هدف البحث هو التعلم الجماعي، والبحث عن المعلومة. لكن المشكلة الآن أن بعض أصحاب المكتبات يقوم هو بنفسه بعمل البحث، ويقوم ولي الأمر بشراء البحث، ويقدمه إلى المدرسة على أن ابنه هو من عمل البحث.
السؤال:
1- هل هذا الفعل من صاحب المكتبة حلال أم حرام؟ وهل المال الذى يحصل عليه صاحب المكتبة من بيع هذه الأبحاث حلال أم حرام؟ وكيف يتحلل من هذا المال الحرام؟
2- هل الوالد الذي يشتري هذه الأبحاث من صاحب المكتبة آثم، وعليه وزر التعاون على الإثم والعدوان، ويكون مشاركا في إعطائه المال الحرام، لو كان ماله حراما من بيع هذه الأبحاث؟
3- هل يحمل صاحب المكتبة والوالد إثم وذنب تعطيل، وتأخير خطط الوزارة في تطوير التعليم، ويشتركون في الإثم لأنهم لم يدربوا الولد على طريقة عمل البحث؟
4- كيف يتحلل صاحب المكتبة والوالد من هذا الذنب الخاص بتعطيل خطط الوزارة؟
وجزاكم الله -عز وجل- خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز قيام بعض المدرسين، أو الباحثين، أو أصحاب المكتبات، أوغيرهم بعمل الأبحاث المطلوبة من الطلاب، مع علمهم بأنّ الطلاب يقدمونها إلى المدارس، أو الجامعات على أنّ هذه الأبحاث من عمل الطلاب أنفسهم؛ لما في ذلك من الغش والكذب، ومنافاة الأغراض المقصودة من تكليف الطلاب بعمل تلك الأبحاث.
وهذه بعض فتاوى لأهل العلم المعاصرين بتحريم هذا العمل، وأنّ الأجرة عليه محرمة:
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: عمل البحث المطلوب من الدارس في المدارس الحكومية، أو غيرها واجب دراسي، له أهداف: من تمرين الطالب على البحث، والتعرف على المصادر، ومعرفة مدى قدرته على استخراج المعلومات، وترتيبها.. إلى آخر ما يهدف إليه طلب إعداد البحث؛ لهذا فإن قيام بعض المدرسين، أو غيرهم بذلك نيابة عن الطالب، مقابل أجرة، أو بدون أجرة، هو عمل محرم، والأجرة عليه كسب حرام؛ لما فيه من الغش والكذب والتزوير.
وهذا تعاون على الإثم، والله سبحانه يقول: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من غشنا فليس منا» ، والخلاصة: إنه لا يجوز للطالب الاستنابة في عمل البحث عنه، ولا يجوز لأحد عمله نيابة عنه في السر، ولا أخذ الأجرة عليه. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-: ..وإن مما يؤسف له -كما ذكر السائل- أن بعض الطلاب يستأجرون من يعد لهم بحوثًا، أو رسائل يحصلون على شهادات علمية، أو من يحقق بعض الكتب، فيقول لشخص: حضِّر لي تراجم هؤلاء، وراجع البحث الفلاني، ثم يقدمه رسالة ينال بها درجة يستوجب بها أن يكون في عداد المعلمين، أو ما أشبه ذلك، فهذا في الحقيقة مخالف لمقصود الجامعة، ومخالف للواقع، وأرى أنه نوع من الخيانة؛ لأنه لا بد أن يكون المقصود من ذلك الشهادة فقط. فإنه لو سئل بعد أيام عن الموضوع الذي حصل على الشهادة فيه لم يجب.
لهذا، أحذر إخواني الذين يحققون الكتب، أو الذين يحضّرون رسائل على هذا النحو من العاقبة الوخيمة، وأقول: إنه لا بأس من الاستعانة بالغير، ولكن ليس على وجه أن تكون الرسالة كلها من صنع غيره، وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، إنه سميع مجيب. انتهى من كتاب العلم للعثيمين.
وفي فتاوى دار الإفتاء الأردنية: الجهد المبذول في كتابة الأبحاث ينقسم إلى قسمين:
1- جهد شكلي يتمثل في الطباعة، والتنسيق، وإعداد الفهارس، وجمع المصادر: فهذا لا حرج في تقديم المساعدة للطالب في إنجازه، سواء كان بأجرة أم بغير أجرة.
2- جهد أصلي مقصود لذاته، وهو صياغة المعلومات، واستخلاص النتائج، وترتيب الأفكار، ومناقشة القضايا العالقة: فهذا النوع من الجهد لا يجوز إعداده للطلاب بغرض إيهام المعلم أنه من جهده الذهني، فالأبحاث إحدى وسائل التقييم، كما أن الهدف منها أن يبحث الطالب عن المعلومة من المصادر المعتمدة، ويتعود صياغة هذه المعلومات وترتيبها في البحث لاستخلاص النتائج، فكتابة البحث عنه على هذا الوجه يعود على الطالب بالعلامة التي لا يستحقها، ويساويه أمام المدرس مع الطالب الذي تعب واجتهد وأبدع في بحثه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَىْ زُورٍ) متفق عليه. إضافة إلى أن الطالب يقدم البحث على أنه جهده الشخصي، وهذا كذب، والكذب من كبائر الذنوب، يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/119. والله أعلم. انتهى.
وعليه؛ فلا يجوز للوالد أو غيره أن يعين الطالب على هذا العمل، وإذا فعل ذلك فعليه التوبة إلى الله.
وكذلك على من قام بعمل البحث، وأخذ الأجرة، وهو عالم بأنّ الطالب يقدمه على أنّه من عمل الطالب؛ فعليه التوبة إلى الله تعالى، والتوبة تكون بالإقلاع، والندم، والعزم على عدم العود.
ومن أخذ أجرة مقابل هذا العمل؛ فعليه أن يتخلص منها بصرفها في المصالح العامة، وأبواب البر؛ كالإنفاق على الفقراء، والمساكين، وبناء المساجد، والمشافي، ونحو ذلك؛ لأنّها عوض عن منفعة محرمة.
والله أعلم.