الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالرضاعة تبيح ما تبيحه الولادة من جواز النظر، واللمس، والخلوة، والسفر، وتحرم ما تحرمه الولادة من التزويج؛ لما ثبت في السنة الصحيحة، ومن ذلك ما رواه البخاري، ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة.
وهذا المعنى الذي تضمنه الحديث، قد بين أهل العلم أن المقصود به من جهة الجملة، أي: أن الرضاعة تحرم ما تحرمه الولادة في بعض الأحكام دون بعضها الآخر، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قوله: "الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة": أي: وتبيح ما تبيح، وهو بالإجماع فيما يتعلق بتحريم النكاح وتوابعه. وانتشار الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة، وتنزيلهم منزلة الأقارب في جواز النظر، والخلوة، والمسافرة، ولكن لا يترتب عليه باقي أحكام الأمومة من التوارث، ووجوب الإنفاق... اهـ.
وعليه؛ فيجوز لهذا الرجل أن يرى من زوجتك ما يراه الرجل من محارمه، ويلمس منها ما يلمسه الرجل من محارمه، وأن يخلو بها، ويسافر معها.
ومحل جواز ذلك كله ما لم تكن هنالك ريبة وخشية أن يفتتن أحدهما بالآخر، بأن يحس أحدهما من نفسه ميلًا غير طبيعي إلى الآخر، فإن أحس به، فإن عليه أن يلزم جانب الحيطة والحذر، وخصوصًا في هذا الزمن الذي نحن فيه؛ فقد دب الفساد في كثير من النفوس، وغلب على الناس ضعف الوازع الدِيني والخلقي.
وأما الاحتضان، والتقبيل، ونحوهما، فينبغي لها اجتنابه، ولا سيما التقبيل في الفم، قال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: الأخوات من الرضاعة حكمهنّ في النظر، وتحريم النكاح، والخلوة، والمحرمية، حكم الأخوات من النسب.
وعلى هذا؛ فيجوز للرجل أن يصافح أخته من الرضاعة، كما يجوز أن يصافح أخته من النسب.
وأما التقبيل فلا ينبغي تقبيل الأخوات -لا من النسب، ولا من الرضاعة-، وإنما إذا أراد أن يكرمهنّ، أو قدم من سفر أو نحوه، فإنه يقبّلها على الجبهة، يقبّلها على الرأس.
وأما التقبيل على الفم، فإن بعض أهل العلم أنكره جدًّا، وقال: إنه لا ينبغي إلا مع الزوجة فقط. ولا شك أن شعور الإنسان بالمحرمية في أخواته من النسب، أبلغ من شعوره بها في أخواته من الرضاعة، لا سيما إذا كان الأخوات من الرضاعة يقللن المجيء إليهم، فإنهنّ قد يكنَّ عنده بمنزلة الأجنبيات، فلهذا ينبغي الاحتياط في مصافحتهنّ، وفي تقبيل رؤوسهنّ، وجباههنّ. اهـ.
فوصيتنا لك أن تتحرى الحكمة مع زوجتك في هذا الأمر، مع أخذ الحيطة في التعامل مع الرجال عمومًا، ومع هذا الأخ بشكل خاص.
وعليك أن ترشدها في ضوء ما ذكرنا من كلام أهل العلم، ولا بأس أن تستشهد لها بشيء من قصص الواقع المشين الذي يحصل بين المحارم؛ بسبب التساهل في هذه الأمور.
وينبغي لها أن تعلم أن غيرة الزوج على زوجته دليل على محبته لها، فلتعتدل في أمر تعاملها مع أخيها من الرضاع، ولتحتطْ في أمر الاحتضان، والتقبيل؛ لضعف الوازع الإيماني في هذه الأزمنة عند كثير من الناس.
وفي المقابل؛ فلتعتدل أنت في غيرتك، ولتجتنب الغيرة المفرطة التي قد تكون سببًا في المشاكل في الحياة الزوجية، وتشتت الأسرة.
وإن كانت زوجتك قد قالت لأخيها: إنها يمكنها أن تخسرك من أجله؛ فهذا مما لا ينبغي لها قوله.
وإن كانت أسمعتك إياه، ففي هذا نوع من سوء العشرة، والمرأة مأمورة شرعًا بأن تحسن عشرة زوجها، كما أنه مأمور بذلك أيضًا، قال الله سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتوى: 161893.
والله أعلم.