السؤال
بأي لغة كان يتكلم أبونا آدم عندما نزل إلى الأرض؟ ومتى وفي أي عصر حدث انقسام الشعوب؟ وكيف حدث تعدد اللغات؟ وشكرًا لكم على المساعدة.
بأي لغة كان يتكلم أبونا آدم عندما نزل إلى الأرض؟ ومتى وفي أي عصر حدث انقسام الشعوب؟ وكيف حدث تعدد اللغات؟ وشكرًا لكم على المساعدة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر من سياق الآية الكريمة أن الله تعالى علم آدم جميع اللغات وسائر المسميات، والآية هي قوله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة: 31].
قال الإمام القرطبي في تفسيره: واختلف أهل التأويل في معنى الأسماء التي علمها لآدم عليه السلام، فقال ابن عباس وعكرمة وقتادة ومجاهد وابن جبير: علمه أسماء جميع الأشياء كلها جليلها وحقيرها، وروى عاصم بن كليب عن سعد مولى الحسن بن علي قال كنت جالسا عند ابن عباس فذكروا اسم الآنية واسم السوط، قال ابن عباس: وعلم آدم الأسماء كلها. انتهى.
وعن سبب انقسام الشعوب، فإن الله تعالى خلق كل البشر من نفس واحدة، وجعل منها زوجها وهي آدم وحواء، وجعلهم شعوبا وفصائل وقبائل ليحصل التعارف وينسب كل شخص إلى مجموعته، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13].
وقد فطر الله تعالى البشر على الاختلاف في المذاهب والآراء والعقائد، ولو شاء لجعلهم شعبا واحدا وأمة واحدة متفقة متحدة. قال تعالى:وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [هود: 119].
قال الإمام ابن كثير في تفسيره: أي ولا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم، وقال عكرمة: مختلفين في الهدى، وقال الحسن البصري: مختلفين في الرزق، يسخر بعضهم بعضا، والمشهور الصحيح الأول. انتهى.
أما اختلاف اللغات وتعددها، فمن الدلائل الواضحة على عظمة الله تعالى واستحقاقه لأن يفرد بالعبادة، حيث قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ [الروم: 22].
قال ابن كثير: يعني اللغات، فهؤلاء بلغة العرب، وهؤلاء تتر لهم لغة أخرى، وهؤلاء كرج، وهؤلاء روم، وهؤلاء فرنج، وهؤلاء بربر، وهؤلاء تكرور وهؤلاء حبشة، وهؤلاء هنود، وهؤلاء عجم.. إلى أن قال: إلى غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى من اختلاف لغات بني آدم. انتهى.
فالله تعالى جعل لكل أمة من هذه الأمم لغة يتخاطبون بها ويتفاهمون، بحيث يعبر كل شخص عما يدور في ذهنه بلغته التي يفهمها غيره ليحصل التعايش والوئام بينهم.
أما تاريخ هذا الانقسام والتباين، فليس لدينا دليل صريح يحدد ذلك، لكن ما ذكرناه من تعلم آدم للغات وما ذكره كثير من المفسرين والمؤرخين من أن سام بن نوح أبو العرب، ويافث أبو الترك، وحام أبو الحبش والبربر، قد يدل على أن هذا الانقسام بدأ من عصر أبناء نوح عليه السلام، قال ابن كثير رحمه الله في "البداية": فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلا ولا عقبا سوى نوح عليه السلام، قال تعالى: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ [الصافات:77]. فكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة وهم سام وحام ويافث. ثم ساق الحديث الذي رواه أحمد والترمذي: سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم. وإسناده ضعيف، ثم قال: عن سعيد بن المسيب أنه قال: ولد نوح ثلاثة: سام ويافث وحام، وولد كل واحد من هذه الثلاثة ثلاثة، فولد سام العرب وفارس والروم، وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج، وولد حام القبط والسودان والبربر. انتهى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني