الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض بين تشريع الطلاق للمصلحة وبين حديث: لا يفرك مؤمن مؤمنة

السؤال

لدي إشكال في الجمع بين حديث النبي صلى الله عليه وسلم : لا يفرك مؤمن مؤمنة ـ وبين تطليقه لأم المؤمنين حفصة -رضي الله عنها- وأمره للرجل الذي كان يشتكي امرأته بأن يطلقها، وفي الواقع لا أعلم نص الحديث، ولكن من مضمونه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا زاد الغنم عن عدد معين يذبحه حتى لا ينشغل، فكيف أجمع بينها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا تعارض بحمد الله بين الأحاديث بوجه، فإن الطلاق شرعه الله تعالى لما فيه من المصالح، فقد تتعذر العشرة، ويكون الطلاق هو الحل الأمثل، ليبحث كل شخص عمن يلائم أخلاقه وطباعه، كما قال الله: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء: 130}.

وحديث: لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر. رواه مسلم.

هو دعوة للتريث، والموازنة قبل اتخاذ قرار الفراق، فإنها إن كان بها خلق ذميم فليقايسه إلى ما عندها من الأخلاق الحميدة، فإن ذلك أدعى أن يصبر عليها، وقد قال الله تعالى: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء: 19}.

قال النووي: ينبغي أَنْ لَا يُبْغِضَهَا، لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ، وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا، بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الْخُلُقِ، لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ، أَوْ جَمِيلَةٌ، أَوْ عَفِيفَةٌ، أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّهُ نَهْيٌ يَتَعَيَّنُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الرِّوَايَاتِ: لَا يَفْرَكْ ـ بِإِسْكَانِ الْكَافِ، لَا بِرَفْعِهَا، وَهَذَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ النَّهْي، وَلَوْ رُوِيَ مَرْفُوعًا لَكَانَ نَهْيًا بِلَفْظِ الْخَبَرِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ خِلَافُهُ، فَبَعْضُ النَّاسِ يُبْغِضُ زَوْجَتَهُ بُغْضًا شَدِيدً، وَلَوْ كَانَ خَبَرًا لَمْ يَقَعْ خِلَافُهُ، وَهَذَا وَاقِعٌ. انتهى.

وأما كون النبي صلوات الله عليه طلق حفصة: فإن جبريل أمره بمراجعتها، لأنها صوامة قوامة، فيوافق هذا الحديث المذكور ولا يعارضه.

وأما أمره بعض الناس بالتطليق: فلكون الطلاق مباحا للمصلحة الراجحة.

والحاصل أن الشخص يصبر ويوازن، ويلتمس المعاذير، ويحرص على بقاء بناء الأسرة ما أمكن، فإن تعذر ففي الطلاق فسحة لكلا الطرفين حتى يبحثا عن بناء حياة جديدة أكثر سواء واستقامة، والحديث الذي أشرت إليه رواه أبو داود وغيره من حديث لقيط بن صبرة، وصححه الألباني، وفيه: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِنَّ لِي امْرَأَةً، وَإِنَّ فِي لِسَانِهَا شَيْئًا يَعْنِي الْبَذَاءَ، قَالَ: فَطَلِّقْهَا إِذًا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَهَا صُحْبَةً، وَلِي مِنْهَا وَلَدٌ، قَالَ: فَمُرْهَا...

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني