السؤال
لي أم مُسِنَّة، أصيبت بقروح الفراش، وأوصى الأطباء بتقليبها مرة كل ساعتين، وكنت أعولها، وأقوم بتقليبها عدة أشهر حتى شق عليَّ الأمر، فقلبتُها ذات مرة بضيق وضجر، فسال الدم منها، وكسرت عظمة من تحت قرحة في رجلها؛ فاستدعيت الطبيب، فقال بأنه لا ينفع معها إجراء عملية جراحية لكبر سنها. وبعد أربعة أيام ماتت، وبعد ذلك شعرت بالندم على ما فعلت. فأرجو منكم توضيح ماذا أفعل لكي أتوب؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن شأن الأم عظيم، فهي أحد الوالدين اللذين قرن الله حقهما بحقه، وأوصى بهما خيرا، ولا سيما الأم التي خصها بمزيد الوصية فقال: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان: 14}.
وجعلت لها السنة ثلاثة أرباع البر، كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك».
ومن حقهما على ولدهما الرعاية لهما، والصبر عليهما، وعدم التضجر منهما، ولا سيما عند كبر سنهما، وضعف جسمهما، فقد تحملا ولدهما عند صغره وضعفه، وتعبا وسهرا وصبرا من أجله، كما قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء: 23}.
فهذا التصرف الذي صدر منك مع أمك أمره عظيم، وخطبه جسيم، وقد أحسنت بندمك على ما حدث منك من تقصير في حق أمك، وهذا الندم لا شك في أنه أمارة خير، وعليك أن تجعلي من هذا الندم توبة نصوحا باستيفاء شروط التوبة، وهي مبينة في الفتوى: 5450. ونرجو أن يقبل الله توبتك، ويمحو عنك الذنوب والآثام.
واحرصي على كثرة الاستغفار لها، والمداومة على الدعاء لها، والإحسان إليها بالصدقة، وإكرام أصدقائها، وصلة أرحامها؛ فإن ذلك من البر الذي لا ينقطع بوفاتها.
روى أبو داود والترمذي عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: «نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا».
والله أعلم.