الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ثبوت القتل بالبصمات وعينات الدم.. رؤية شرعية

السؤال

في المحاكم الشرعية الإسلامية لو افترضنا أن القاضي يتعرض لحالة قتل .. لو كانت هناك أدلة تدين شخصا معينا ولكن لم يكن هناك شهود .. هل يعاقب هذا الشخص ؟ هل يقع عليه الحد ؟ هل من الممكن عقابه دون إيقاع الحد نظرا لأن الحد لا أعتقد أنه يقام دون شهود ..
أعني بالأدلة أمور مثل البصمات ووجود شهود على أمور أخرى تشير بالاتهام إليه لكن ليس واقعة القتل نفسها .. وجود عينات من دم القاتل في بيت المقتول أو عينات من دم المقتول على القاتل ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما ذكرت من البصمات وعينات دم القاتل أو المقتول لا يمكن أن تعتبر أدلة يقتص بها من المتهم، أو تستحق منه الدية إلا إذا صاحبها من القرائن ما يفيد غلبة الظن أنه هو القاتل، فحينئذ تكون لوثا يستحق به أولياء الدم القسامة والدية دون القود، أو القود عند من يقول به في القسامة، وهم المالكية.

وقد اختلف في تعريف اللوث، قال الماوردي في الأحكام السلطانية وهو شافعي: واللوث أن يعنوا بالدعوى ما يوقع في النفس صدق المدعي.

وقال صاحب الجوهرة النيرة وهو حنفي: واللوث أن يكون هناك علامة للقتل على واحد بعينه، أو ظاهر يشهد للمدعي من عداوة ظاهرة أوشهادة عدل أوجماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه.

وقال المرداوي في الإنصاف وهو حنبلي: اللوث وهي العداوة الظاهرة كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر، وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضا بثأر في ظاهر المذهب .

وقال خليل بن إسحاق وهو مالكي: والقسامة سببها قتل الحر المسلم في محل اللوث كأن يقول بالغ حر .. قتلني فلان (يعني قبل موته).. وكشاهدين بجرح أو ضرب، وكالعدل فقط في معاينة القتل، أو رآه يتشحط في دمه والمتهم قربه وعليه آثاره .

ومن المعلوم أن البصمات ـ وإن كانت تميز الشخص عن جميع من سواه ـ إلا أنها لا تفيد القطع بأنه هو القاتل إلا إذا احتفت بها قرائن أخرى، كأن تكون ثمت عداوة أو موجب آخر للقتل، أو لا يوجد غير المتهم في المكان أو غير ذلك.

وأما فصائل الدم فهي أبعد من البصمات. لأن كل فصيله للدم يشترك فيها ملايين البشر، وهي إنما تنفي ولا تثبت، أي أن فصيلة الدم إذا خالفت دم المتهم كان ذلك دليلا على براءته، وإذا وافقتها فإنها لا تفيد شيئا لجواز كونها لغيره ممن يشترك معه في الفصيلة.

ثم إن الشهود إذا شهدوا بأمور تفيد الاتهام، فإن ذلك من اللوث الذي إن قوي كان موجبا للقسامة.

والقسامة خمسون يمينا يحلفها أولياء الدم، وهي عند الجمهور لا توجب قودا وإنما الدية فقط، وعند المالكية أنها إذا قوي اللوث وجب بها القصاص.

قال صاحب المغرب: وعن مالك في القسامة إذا كان هناك لوثة استحلف الأولياء خمسين يمينا واقتص من المدعى عليه.

وبالنسبة لما إذا كان المتهم الذى لم يثبت عليه القتل يعاقب أم لا؟ فقد فرق العلماء بين المعروف بالفجور وغيره. قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: ومن اتهم بقتل وكان معروفا بالفجور فلولي الأمر عند طائفة من العلماء أن يعاقبه تعزيرا على فجوره وتعزيرا له، وبهذا وأمثاله يحصل مقصود السياسة العادلة.

والخلاصة أن من لم يثبت عليه القتل بالبينة القاطعة لا يقتص منه عند الجمهور؛ خلافا للمالكية إذا قوي اللوث وأدى الأولياء أيمان القسامة، وأما العقوبة فإن كانت مالية كالدية -مثلا- فكلهم يقول بها مع اللوث والقسامة. وإن كانت عقابا جسديا، فإنما تفعل بمن عرف بالفجور.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني