الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رجوع السارق عن إقراره مقبول

السؤال

ما حكم رجوع السارق عن اعترافه بالسرقة بدون شبهة، ولو كان يكذب لستر نفسه؟
وهل يقبل ذلك منه، مع ذكر الدليل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن المعترف بالسرقة يقبل منه الرجوع؛ فيسقط عنه الحد الشرعي الواجب لحق الله سبحانه وتعالى.

فقد قال النووي في شرح صحيح مسلم عند شرحه لحديث ماعز: فيه استحباب تلقين المقر بحد الزنى والسرقة وغيرهما من حدود الله تعالى، وأنه يقبل رجوعه عن ذلك؛ لأن الحدود مبنية على المساهلة والدرء بخلاف حقوق الآدميين.

وحقوق الله تعالى المالية كالزكاة والكفارة وغيرهما لا يجوز التلقين فيها، ولو رجع لم يقبل رجوعه. وقد جاء تلقين الرجوع عن الإقرار بالحدود عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، واتفق العلماء عليه... اهـ.

وقال ابن يونس في الجامع لمسائل المدونة: والقطع في السرقة يجب بأمرين: إما بشاهدين، أو بإقرار يثبت عليه المقر حتى يحد.

وإن رجع أُقيل؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما إخالك سرقت)، فقال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا، (فأمر به فقطع)، فقال: (استغفر الله وتب إليه) قال: استغفرته وتبت إليه، فقال: (اللهم تب عليه).

ففي تكرير النبي صلى الله عليه وسلم: (ما إخالك سرقت)؛ دليل على أنه لو رجع قبل منه.
وقد روي أن المرجوم لما أخذته الحجارة هرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فهلا تركتموه).. ...
وقيل: لا يقال إلا بعذر بَيِّن.
والأول أَبْيَن؛ لقول النبي عليه السلام: (ما إخالك سرقت)، ولقوله: (فهلا تركتموه)، وهو لم يأت بعذر.
قال ابن القاسم عن مالك: ومن شهدت عليه بينة أنه أقر بالسرقة أو بالزنى فأنكر، فإن ذكر أنه إنما أقر لأمر يعذر به أقيل، وإن جحد ذلك الإقرار أصلا أقيل أيضا.
وقال غيره: لا أقيله إلا لعذر بَيِّن.
قال في كتاب محمد: وإذا رجع قبل تمام الحد أقيل ... اهـ.

وجاء في المجموع شرح المهذب: رجوع المقر عن إقراره فيما يحتمل الرجوع في أحد نوعي الإقرار بحقوق الله تبارك وتعالى خالصا كحد الزنا، يحتمل أن يكون صادقا في الإنكار فيكون كاذبا في الإقرار ضرورة فيورث شبهة في وجوب الحد، وسواء رجع قبل القضاء أو بعده، قبل تمام الجلد أو الرجم قبل الموت؛ لما قلنا.

وروي أن ماعزا لما رجم بعض الحجارة هرب من أرض قليلة الحجارة إلى أرض كثيرة الحجارة، فلما بلغ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام: (سبحان الله هلا خليتم سبيله) وكذلك الرجوع عن الإقرار بالسرقة والشرب؛ لأن الحد الواجب بهما حق الله سبحانه وتعالى خالصا فيصح الرجوع عن الإقرار بهما، إلا أن في السرقة يصح الرجوع في حق القطع لا في حق المال؛ لأن القطع حق الله تعالى على الخلوص فيصح الرجوع عنه، فأما المال فحق العبد فلا يصح الرجوع فيه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني