الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في المواظبة على هذه الأذكار، بل ذلك مستحب، لورود ما يدل على فضلها في السنة النبوية، فمنها: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الكلام إلى الله تعالى أربع، لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
وروى مسلم -أيضاً- في صحيحه عن جويرية ـ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ قَالَتْ نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ. انتهى
ومعنى: سبحان الله- تنزيها له، وتعظيما، وتقديسا له سبحانه وتعالى، وهذا الذكر من أعظم الأذكار، وأكثرها أجرا.
والمراد بالعدد، والرضى، والزنة، والمداد، المبالغة في كثرة التنزيه، والتسبيح لله تعالى، والثناء عليه.
والمعنى: أسبح الله تعالى عددا كعدد خلقه كثرة، ورضى نفسه عمن رضي عنه من عباده، وهذا لا ينقطع، ولا ينقضي، ومعنى زنة عرشه: بمقدار وزنه، يريد عظم قدرها، ومداد كلماته: يجوز أن يكون قطر البحار، كما قال تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي {الكهف: 109}.
ويجوز أن يكون المراد: المدد الواصل من الله تعالى لكل شيء، وقيل: مداد كلماته أي مثل عددها، وقيل: قدر ما يوازيها في الكثرة، ذكر هذه المعاني النووي، والسيوطي في شرحهما للحديث.
ومنها ما رواه أبو داود، والترمذي، عن سعد بن أبي وقاص: أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على امرأة وبين يديها نوى، أو حصى تسبح به، فقال: أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا، أو أفضل؟ سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك.
وفي مسند أحمد من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- وصححه محقق المسند عَنْ سَالِمٍ: أَنَّ أَبَا أمامة حَدَّثَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عدد ما خلق، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ ما خلق، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عدد ما في السماوات والأرض، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ ما في السماوات والأرض، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عدد ما أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ ما أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عدد كُلِّ شَيْءٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَسُبْحَانَ اللهِ مِثْلَهَا؛ فَأَعْظِمْ ذَلِكَ.
وروى الطبراني هذا الحديث عن أبي أمامة، ولفظه: أَلا أدُلُّكَ على ما هُوَ أكْثَرُ مِنْ ذِكْرِكَ الله اللّيْلَ مَعَ النّهارِ؟ تَقولُ: الحَمْدُ لله عدد ما خلق، الحمد لله ملء ما خلق، الحمد لله عدد ما في السَّموِاتِ وما في الأرض، الحمد لله عدد ما أحْصَى كِتابُهُ، والحَمْدُ لله على ما أحْصَى كِتابُهُ، والحَمْدُ لله عدد كل شيء، والحمد لله مِلْءَ كلِّ شَيْءٍ، وتُسَبِّحُ الله مِثْلَهُنَّ تَعَلَّمَهُنَّ، وعلمهن عقبك من بعدك. وصححه الألباني رحمه الله.
جاء في كتاب الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم العاصمي النجدي: ثم أخبر عن هذا الحمد بقوله: ملء السماوات، وملء الأرض أي حمدا ملء العالم العلوي، والسفلي، وما بينهما، وملء ما شئت، أي وملء غير السماوات والأرض مما شئت، مما لا علم للعباد به من شيء بعد، بالضم للقطع عن الإضافة، ونية المضاف إليه. انتهى.
ومنها ما رواه البخاري، ومسلم عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أعلمك كلمة هي كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.
قال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح: معنى: لا حول ولا قوة إلا بالله: لا حول عن معاصي الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بالله، قال - عليه السلام: كذلك أخبرني جبريل عن الله ـ وعن علي رضي الله عنه: إنا لا نملك مع الله شيئا، ولا نملك من دونه شيئا، ولا نملك إلا ما ملكنا، مما هو أملك به منا، وحكى أهل اللغة أن معنى لا حول: لا حيلة يقال: ما للرجل حيلة، ولا حول، ولا احتيال، ولا محتال، ولا محالة، ولا محال. اهـ.
ومنها ما رواه أبو داود عن بلال بن يسار قال: حدثني أبي عن جدي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فارا من الزحف. وصححه الألباني في صحيح الترغيب، والترهيب.
وقال صلى الله عليه وسلم: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب. رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ومعنى الاستغفار: هو طلب المغفرة، فالسين والتاء في اللغة للطلب، فإذا قال العبد: أستغفر الله، فمعناه أطلب منه المغفرة، كما في قوله: أستعين بالله، أي: أطلب منه تعالى العون.
والله أعلم.