الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أضواء على حديث: وشاب نشأ في طاعة الله

السؤال

أنا شاب عمري 20 عاماً، وقد بدأت بالالتزام بعبادة الله والصلاة مؤخراً.
وكنت أتساءل: هل من الممكن أن أكون مِمَّن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم: "شاب نشأ في طاعة الله" أو قد فات الوقت لمثل هذا؟
وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأظهر أن هذه الفضيلة: وشاب نشأ في عبادة الله. خاصة بمن اتصف بذلك في شبابه كله من أوله، بحيث تنتفي عنه صبوة الشباب بالكلية، كما في الحديث الآخر: إن الله عز وجل ليعجب من الشاب ليست له صبوة.

قال الهيثمي في (المجمع): رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، وإسناده حسن. اهـ.

وحسنه السخاوي في (المقاصد الحسنة)، وجوَّده الألباني في السلسلة الصحيحة.

وفي هذا الحديث نفي الصبوة بالكلية.

قال المناوي في «التيسير»: (‌ليست ‌له ‌صبوة) أي ميل إلى الهوى؛ لحسن اعتياده للخير، وقوة عزيمته في البعد عن الشر في حال الشباب الذي هو مظنة لضد ذلك. اهـ.

وبذلك فسر بعض الشراح قوله صلى الله عليه وسلم: وشاب نشأ في طاعة الله.

قال القاضي عياض في «إكمال المعلم»: قوله: "‌وشاب ‌نشأ في عبادة الله": أي شبَّ وكبر عليها، ولم يكن له ‌صبوة، يقال: نشأ الشيء: ابتدأ. اهـ.

وتبعه على ذلك كثير من الشراح، كالقرطبي في المفهم، وابن الملقن في التوضيح وغيرهم.

وقال العزيزي في «السراج المنير»: (‌وشاب ‌نشأ في عبادة الله) أي ابتدأ عمره فيها، فلم تكن له ‌صبوة. اهـ.

وقال برهان الدين النعماني -الشافعي- في «مزيد فتح الباري»: فيه فضل منْ سلم من الذنوب، واشتغل بطاعة ربه طول عمره. اهـ.

وانظر لمزيد من الفائدة الفتوى: 249454.

ولكن هذا لا يعني خلو من فاتته الاستقامة في أول شبابه، ثم تاب وهو ما زال شابًا من الفضيلة! بل له فضله ومزيته؛ لأن مدة الشباب كلها مظنة للصبوة، وتحتاج إلى مجاهدة لتحصيل الاستقامة، ويتأكد هذا في حق الشاب الذي ذاق المعاصي وتعلق قلبه بها، فإنه يحتاج إلى مزيد اجتهاد ليفارق ما ألفه من المعاصي ويتوب توبة نصوحا.

ولذلك اختلف أهل العلم أيهما أفضل: من نشأ ولا صبوة له، أو من قارف الذنوب أولا ثم تاب منها توبة نصوحا.

قال المناوي في «فيض القدير»: (‌ليست ‌له ‌صبوة) أي ميل إلى الهوى بحسن اعتياده للخير وقوة عزيمته في البعد عن الشر ...

وهل الأفضل من نشأ لا صبوة له؛ لكونه لم يلابس كبيرة ونجا من ضررها وخطرها والسؤال عنها في القيامة، أو من قارف الذنوب وتاب توبة نصوحا لكونه أقلع عن الشهوات لله بعد إِلْفِه لها وتعوده لذتها ثم فارق لذته وشهوته لله؟ قولان، وكلام المحاسبي يقتضي ترجيح الأول. اهـ.

وقال المنبجي في «تسلية أهل المصائب»: فالعبد إذا ذاق لذة المعصية، ثم تاب وصبر عنها، كانت توبته توبة صادقة. ولقد بلغني عمن أعرفه أنه تاب عن الخمر، وحلف بالطلاق لا يشربه، ثم إنه خالع وشرب ... فالصبر المستمر مع القدرة من غير خوف على جاهه أو ماله أو عرضه، صبر على المعاصي، ومواظبته على ما أمره الله تعالى به، صبر على الطاعات، فإذا فعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى، ثوابه أن يوفى أجره بغير حساب. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني