الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يقتص الله يوم القيامة ممن ضيّع فرصة عمل على شخص يستحقها

السؤال

عن أبي ذر -رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا، وشاتان تقترنان، فنطحت إحداهما الأخرى فأجهضتها، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: ما يضحكك؟ قال عجبت لها، والذي نفسي بيده ليقتصن لها يوم القيامة- فكيف يكون القصاص بين البشر في الأمور الدنيوية كتضييع أحدهم فرصة عمل على آخر مما سبب له هما، وحزنا، وقهرا شديدا، أدى به إلى مرض لا يعالج، وهو كل يوم يدعو الله بأن يرد له حقه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الحديث الذي ذكرته في بعض رجال سنده كلام، جاء في مجمع الزوائد للهيثمي: وعن أبي ذر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان جالسا وشاتان تعتلفان، فنطحت إحداهما الأخرى فأجهضتها، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقيل: ما يضحكك يا رسول الله؟! قال: عجبت لها، والذي نفسي بيده، ليقادَنَّ لها يوم القيامة.

وفي رواية: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم: رأى شاتين تنتطحان فقال: يا أبا ذر، هل تدري فيما انتطحتا؟ قال: لا، قال: ولكن الله يدري، وسيقضي بينهما. رواه كله أحمد، والبزار بالرواية الأولى، وكذلك الطبراني في المعجم الأوسط، وفيها ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح غير شيخه ابن عائشة، وهو ثقة، ورجال الرواية الثانية رجال الصحيح، وفيها راو لم يسم. اهـ.

لكن ورد حديث صحيح بمعناه، ففي صحيح الإمام مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء، من الشاة القرناء.

وعلى العموم، فإن المظلوم يقتص له من ظالمه في الآخرة إذا لم يؤد له مظلمته في الدنيا، أو يسامحه، سواء كانت المظلمة تتعلق بالمال، أو العرض، أو غيرهما، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه، أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار، ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار.

ومن ضيّع فرصة عمل على شخص يستحقها بأن حال بينه وبينها بغير حق حتى فاتته، فقد ظلمه، وتسبب في حرمانه مما له فيه الحق، وسيؤخذ لصاحب الحق الفائت حقه يوم القيامة بقدر ذلك، وهذه المظلمة تؤخذ من حسنات صاحبها، فإن لم تكن له أخِذ من سيئات المظلوم فطُرحت على الظالم، ومقدار ذلك كله في علم الله تعالى.

قال القسطلاني في إرشاد الساري: إن كان له -أي: الظالم- عمل صالح أخِذ منه، أي من ثواب عمله الصالح بقدر ‌مظلمته التي ظلمها لصاحبه، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه الذي ظلمه فحمل عليه -أي على الظالم- عقوبة سيئات المظلوم.

وقال الهروي في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: بقدر مظلمته: ومعرفة مقدار الطاعة، والمعصية كميةً وكيفيةً مفوض علمها إلى الله سبحانه. اهـ.

وبخصوص ما أصاب هذا الشخص من هم، وغم، ونحوهما: فنسأل الله تعالى أن يكشف همه، ويزيل كربه، وأن يشفيه مما يعانيه، ونوصيه بالإعراض عن الهم، والحزن، وأن يتحلّى بالتفاؤل، والأمل، فإن الدنيا لا تدوم على حال، وقد يعوّضه الله خيرا مما فاته، ولا يدري لعلّ الخير في فوات تلك الفرصة، فقد قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة: 216}.

كما نوصيه بالإكثار من دعاء الله تعالى، والتضرع إليه مع تحري أوقات الإجابة، ولا يقنط، ولا يملّ من الدعاء، وراجع المزيد في الفتوى: 256507، وهي بعنوان: أدعية تبعد الهم، والغم، وتشرح الصدر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني