السؤال
لقد قرأت في أحد مواقع الإنترنت هذه القصة ولم يكن لدي أي علم أو معلومات عنها فأرجو قراءتها وتوضيح مدى صحتها وجزاكم الله خيرا
الجمل وصفين بعد مقتل عثمان رضي الله عنه, تولى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة في السنة الخامسة والثلاثين للهجرة, والمشهور أنه قد بايعه جميع من كان في المدينة في ذلك الوقت, فإن المسلمين يعرفون مكانة علي وفضائله وقرابته من رسول الله وجدارته.
وكان عهد الإمام علي مضطرباً بفعل المؤامرات التي حاكها أعداء المسلمين, وحدث الاقتتال بين المسلمين في معركتي الجمل وصفين, وكانت الخلافات تدور حول الموقف من قتلة عثمان, فقد كان علي رضي الله عنه يرى تأجيل الاقتصاص منهم حتى تهدأ الأحوال, وتستتب أمور الخلافة خاصة وأن هؤلاء قد لجأوا إلى قبائلهم, بينما كان يرى جزء من الصحابة وعلى رأسهم عائشة أم المؤمنين والزبير وطلحة ومعاوية, أن هؤلاء القتلة شر مستطير, وأنه لا يجوز تركهم خاصة وأن بعضهم اندس في جيش علي, ولذلك فلا بد من البدء بالاقتصاص منهم.
وترجع قصة معركة الجمل إلى اجتماع عدد من الصحابة وعلى رأسهم الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأم المؤمنين عائشة واتفاقهم على الأخذ بثأر عثمان والاقتصاص من قتلته, فخرج هؤلاء من مكة إلى البصرة يريدون قتلة عثمان الذين توجهوا إلى هناك فمنعهم عثمان بن حنيف والي البصرة المعيّن من قبل أمير المؤمنين علي من الدخول.
ثم خرج أحد الذين شاركوا في قتل عثمان ويقال له جبلة في سبعمائة رجل لقتال هؤلاء الصحابة ومن معهم, فانتصر عليهم جيش الصحابة وقتلوا من هؤلاء عدداً كثيراً, وهنا يسمع أمير المؤمنين علي بأن قتالاً نشب بين جيش يقوده الزبير وطلحة, وبين واليه على البصرة عثمان بن حنيف, فجهّز الإٌمام علي جيشاً قوامه عشرة آلاف لقتال طلحة والزبير.
وأرسل الإمام علي المقداد بن الأسود والقعقاع بن عمرو ليتكلما مع طلحة والزبير, وبيّن كل طرف وجهة نظره فيما يتعلق بقتلة عثمان, ورغم اختلاف وجهات النظر إلا أن طلحة والزبير تفهّما موقف علي, واتفق الطرفان على عدم القتال.
وبعد الاتفاق نام الجيشان بخير, ونامت السبئية بشر, وهؤلاء هم الذين قتلوا عثمان وأجّجوا الخلاف بين المسلمين, فما كان منهم إلا أن هاجموا جيش طلحة وهم نائمون وفرّوا, فظن هذا الجيش أن جيش علي قد غدر بهم, فقاموا يهاجمون جيش علي الذي ظن أن جيش طلحة قد غدر ونكث عمّا تم الاتفاق عليه بين الطرفين من عدم القتال.
وكان هؤلاء السبئية والغوغاء يعلمون أن اتفاق المسلمين وتوحد كلمتهم سيعجّل بإقامة الحدّ عليهم, فوجدوا أن عليهم إنشاب القتال بين المسلمين, وكذلك كان الأمر.
واندلع القتال وكبار الصحابة يحاولون وقفه دون جدوى, واعتزل الزبير بن العوام رضي الله عنه القتال وهمّ بالرجوع إلى المدينة وتبعه في مسيره ذلك عمرو بن جرموز وغيره, وقتلوه غدراً رضي الله عنه, وعندما جاء ابن جرموز القاتل هذا إلى الإمام علي وأخبره بأنه قتل الزبير قال له الإمام علي: إني سمعت رسول الله يقول: "بشّر قاتل ابن صفية (أي الزبير) بالنّار" رواه البخاري.
وأما ما اصطلح على تسمية "معركة الجمل" في السنة السادسة والثلاثين للهجرة فقد اشتد فيها القتال من الظهيرة إلى غروب الشمس, واستشهد فيها طلحة بسهم وهو يحاول منع الناس من القتال, وقتل ابنه محمد بن طلحة المعروف بالسّجاد, واستبسل الناس في الدفاع عن جمل السيدة عائشة لأنها كانت تمثل لهم رمزاً.
وبعد المعركة كان الإمام علي يتفقد القتلى فرأى بينهم طلحة رضي الله عنه, فأخذ يمسح التراب عن وجهه ويقول: "رحمة الله عليك أبا محمد, يعزّ عليّ أن أراك مجدولاً تحت نجوم السماء, ثم قال: إلى الله أشكو عُجري وبُجري –أي سرائري وأحزاني التي تجول في جوفي- والله لوددت إني كنت مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة".
وأعاد الإمام علي السيدة عائشة أم المؤمنين إلى المدينة معززة مكرّمة, وهذا من سمو أخلاقهم.
وقد ثبت أن خروج طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة لم يكن لمقاتلة علي أو النكوث عن البيعة, إنما للإصلاح ومعاقبة المفسدين الذين قتلوا عثمان, وقد حققوا جزءاً من هذا الهدف إلى أن وقع القتال في الجمل.
معركة صفين
وبعد الفراغ من "الجمل" صمم أمير المؤمنين علي على أن يحمل معاوية –والي الشام-وأهل الشام على البيعة, وكان معاوية يرفض مبايعة عليّ حتى يسلمه قتلة عثمان للاقتصاص منهم لأنه وليه وابن عمّه, وكان الإمام علي يرفض هذا الشرط, ويشترط عليه المبايعة أولاً.
وسار الإمام علي في السنة السابعة والثلاثين للهجرة إلى صفين (بين العراق والشام) يريد قتال معاوية, ولم يكن معاوية يعتبر نفسه خليفة ولا يرى نفسه أفضل من علي, إنما وضع شرطاً لمبايعة عليّ وهو أن يتم تسليمه قتلة عثمان, حيث كان بعضهم في جيش علي, كما أن معاوية رفض قرار عزله.
وبرز السبئية من جديد وأخذوا يحثون الإمام علي والناس على قتال أهل الشام, فخرج الإمام علي لقتال معاوية, وقتل من المسلمين عدد كثير, إلا أنه دون ما ذكرته بعض الكتب التاريخية التي بالغت حتى أن أحدها ذكر أن قتلى الشام بلغوا تسعين ألفاً في الوقت الذي لم يتجاوز الجيش خمسة وثمانين ألفاً!
وكان أغلبية الصحابة يحذرون من الفتنة, وقد اعتزل أكثرهم القتال, ومع اشتداد القتال تنادى المسلمون إلى الصلح ووقف القتال, ورفعت المصاحف على الرماح, لتبدأ مرحلة جديدة بعيداً عن القتال وتم الاتفاق على التحكيم.
للاستزادة :
1-حقبة من التاريخ ـ الشيخ عثمان الخميس.
2-الإنصاف ـ الدكتور حامد الخليفة.
3- العواصم من القواصم ـ القاضي أبو بكر بن العربي
أرجو توضيح مدى صحة هذه القصة