السؤال
نحن من أهل مكة وحجت زوجتي رحمها الله حجة نافلة وعند الوقوف بعرفة في الصباح تعبت تعبا شديدا وهي رحمها الله كانت مريضة مرضا مزمنا فانتقلنا إلى مستشفى داخل مكة وظلت في تعب حتى انتهاء اليوم وتحللنا أنا وهي ولم نكمل الحج ماذا علينا الآن وبخاصة هي وقد أصبحت في دار الحساب والله المستعان
وفقكم الله وسدد خطاكم
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف الفقهاء في القدر الذي يجزئ وقوفه بعرفة للحاج، فذهب الحنفية إلى أن الوقوف بعرفة يبدأ زمانه بزوال شمس التاسع من ذي الحجة، وينتهي بطلوع فجر العاشر من ذي الحجة، والوقوف في أي جزء من هذا الزمان عندهم فرض.
قال الكاساني في بدائع الصنائع: أما القدر المفروض من الوقوف فهو كينونته بعرفة في ساعة من هذا الوقت.. اهـ.
ويجب عند الأحناف أيضا أن يقف من بعد الزوال إلى غروب الشمس، وذلك لأن الحنفية يفرقون بين الفرض والواجب. قال الكاساني في البدائع: وإذا عرف أن الوقوف من حين زوال الشمس إلى غروبها واجب فإن دفع منها قبل غروب الشمس فإن جاوز عرفة بعد الغروب فلا شيء عليه، لأنه ما ترك الواجب، وإن جاوزها قبل الغروب فعليه دم عندنا، لتركه الواجب، فيجب عليه الدم كما لو ترك غيره من الواجبات. اهـ.
وذهب المالكية إلى أن وقته يبدأ من زوال الشمس وينتهي بأذان الفجر، وركن الوقوف بعرفة يكون ليلا، فمن وقف نهارا ولم يقف ليلا لا يجزئه. قال الحطاب في مواهب الجليل: ومن وقف بعرفة نهارا ولم يقف ليلا لم يجزه، وهو مذهب مالك. اهـ.
أما الشافعية فالوقوف يبدأ عندهم بعد زوال الشمس وينتهي بطلوع الفجر، وركنه الوقوف بها نهارا وليلا، لكن يستحب الجمع بين الليل والنهار. قال زكريا الأنصاري في شرح منهج الطلاب: ولو فارقها أي عرفة قبل غروب ولم يعد إليها سن له دم خروجا من خلاف من أوجبه يعني الإمام مالك، لا إن عاد إليها ليلا، لأنه أتى بما يسن له وهو الجمع بين الليل والنهار في الموقف. اهـ.
ويرى الحنابلة أن وقت الوقوف يبدأ من فجر يوم عرفة وينتهي بطلوع فجر يوم النحر، ويجب أن يجمع في وقوفه بين الليل والنهار. قال البهوتي في كشاف القناع: ووقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة، لحديث عروة بن مضرس الطائي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت يا رسول الله: إني جئت من جبلي طيئ، وكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه. رواه الخمسة وصححه الترمذي، ولفظه له، ورواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط كافة أئمة الحديث، ولأن ما قبل الزوال من يوم عرفة فكان وقتا للوقوف فيه لا يمنع كونه وقتا للوقوف كما بعد العشاء، وإنما وقف النبي صلى الله عليه وسلم وقت الفضيلة. اهـ.
وقال: ويجب أن يجمع في الوقوف بين الليل والنهار من وقف نهارا لفعله صلى الله عليه وسلم مع قوله: لتأخذوا عني مناسككم، فإن دفع من عرفة قبل غروب الشمس فعليه دم إن لم يعد قبله، لأنه ترك واجبا لا يفسد الحج بتركه أشبه الإحرام من الميقات. اهـ.
هذه هي مذاهب العلماء في وقت الوقوف بعرفة والقدر المجزئ منه. وبقول الحنابلة في إجزاء الوقوف قبل الزوال نفتي، بدليل حديث عروة السابق، ويجب على من لم يجمع في وقوفه بين الليل والنهار دم إذا كان وقوفه نهارا.
وبناء على مذهب الحنابلة الذي أفتينا به، فقد أدركتما الحج، والواجب عليك الآن لبس ثياب الإحرام ثم الطواف والسعي والحلق أو التقصير وعليك ذبح شاة لفوات الجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة ، وأخرىعن ترك المبيت بمنى وثالثة عن ترك المبيت بمزدلفة، ورابعة عن ترك رمي الجمرات وفدية عن كل محظور ارتكبته من قبيل الإتلاف كحلق الشعر وتقليم الظفر وقتل الصيد، وأما ما كان من قبيل الترفه كالطيب ولبس المخيط والجماع فلا شيء عليك فيه إذا كنت جاهلا، وأما امرأتك فنرجو الله تعالى أن يعفو عنها ويرحمها، ويجب إخراج الفدية من مالها كما سبق تفصيله في حقك أنت.وأما رفض الإحرام فلا يصح ولو كان حج نفل باتفاق العلماء ، وأما زوجتك فقد توفيت محرمة ولا شيء عليها إلا إذا كانت ارتكبت محظورا قبل وفاتها مما سبق تفصيله، ولا عبرة برفضها للإحرام، ومن مات محرما فلا يتمم عنه النسك على الراجح من أقوال العلماء، لما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: خر رجل من بعيره فوقص فمات فقال: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا. وعلى القول بإتمام النسك عنه يحرم به النائب ويتمه. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: إذا مات الحاج عن نفسه في أثنائه هل تجوز البناية على حجه؟ فيه قولان مشهوران، الأصح الجديد، لا يجوز كالصلاة والصوم. والقديم يجوز لدخول النيابة فيه... ويحرم بالحج، ويأتي ببقية الأعمال وإنما يمنع إنشاء الإحرام بعد أشهر الحج إذا ابتدأه، وهذا ليس مبتدأ بل مبني على إحرام قد وقت في أشهر الحج.
والله أعلم.