الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إفشاء الشخص الأسرار التي أقسم على حفظها

السؤال

لي أخ في الله تعالى كان مسؤولاً في الدعوة الإسلامية في بلده.. (هذا الدعوة تحمل فكر الحركة الإسلامية القريبة فكرياً من حركة الإخوان المسلمين..)..
بعد ما يقارب العشر سنوات في هذه الدعوة (6 سنوات كمسؤول في إدارتها).. قرر هذا الأخ أن له ميول نحو الفكر السلفي.. عندها قال له الإخوة المسؤولين في الدعوة (أي شيخه - وهو حامل لقب ماجستير في الشريعة - وإخوانه أعضاء الإدارة).. بأنهم يحترمون ميوله وهو أخ في الله تعالى ولكن مصلحة الدعوة تقتضي وبما انه لديه ميول نحو فكر مختلف عن فكر الدعوة التي هو مسؤول فيها فعليه أن يترك منصبه كمسؤول إدارة ، بحجة أنه لا يعقل أن يكون في إدارة دعوة لا يوافق على فكرها ونهجها في الدعوة إلى الله تعالى.. وبالمقابل تم التوضيح له بأن ذلك لا يعني أنهم أفضل منه.. فقد يكون هو أفضل منهم عند الله تعالى وقد يكون اقرب منهم إلى الله تعالى ولكن المصلحة الدعوية تقتضي بان يترك منصبه..
بعدها حصل بينه وبين شيخه الذي رباه خلاف دنيوي على مشروع كان بينهما..
أود هنا أن أوضح بأن الأخ عندما أصبح مسؤولاً في إدارة الدعوة اقسم يميناً بالله تعالى أن لا يفشي أسرارها ولا ما يدور في جلساتها... وعلى أثر الخلافات التي حدثت مع شيخه ودعوته ولأن هذا الأخ مقتنع أن الدعوة ظلمته.. فانه بدأ بمهاجمة الدعوة وإفشاء بعض أسرارها وخاصة ما يتعلق بتقييم أداء وتصرفات بعض أبناء الدعوة ..لكي يتم اتخاذ قرارات مناسبة عند إعطاءهم مسؤوليات في الدعوة.. (وبعض هذه الأسرار يتم إفشاؤه بشكل غير دقيق والآخر بزيادات هي كذب أصلا)..
وبدأ إفشاء هذه الأسرار بما فيها تشويه الحقائق يسبب بعض الفتن ويضرب هذه الدعوة وتماسكها نوعاً ما.. سؤالي هو: هل الدعوة محقة في تصرفها مع هذا الأخ..؟ وهل يجوز لهذا الأخ رغم اليمين الذي اقسمه أن يفشي الأسرار؟؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:

فإن المسلم يتعين عليه أن يعمل للإسلام اتبغاء وجه الله وقياما بالدعوة إلى الله تعالى التي كلف بها الأمة نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم واتباعا له. قال الله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ {آل عمران: 104} وقال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف: 108} ، ويتعين عليه أن يعمل مع إخوانه الدعاة العاملين للإسلام فيما يراه حقا انطلاقا من الأمر الرباني بالتعاون على البر والتقوى لقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى {المائدة: 2}

وعليه أن يتوصي معهم ويناصحهم فيما يحتاج للنصح ويحاورهم ويجادلهم بالحسنى إذا دعت الحاجة لذلك، وأن يحبهم ابتغاء وجه الله بقدر ما عندهم من الحق. فقد قال الله تعالى: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ، وقال: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل 125} وفي الحديث القدسي: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وصححه الألباني.

وفي الحديث القدسي أيضا: حقت محبتي على المتحابين في، وحقت محبتي على المتناصحين في، وحقت محبتي على المتزاورين في، وحقت محبتي على المتباذلين في. رواه ابن حبان. وصححه الألباني. وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.

وعلى كل من العاملين أن يحسن الظن بإخوانه وأن يخلص لله في التعاون معهم على الخير ولا يمنعه من ذلك ثقل القيادة عليه ولا يشق عصا الطاعة بسبب ذلك، وليكن قدوته في ذلك خالد بن الوليد رضي الله عنه فإنه نقله عمر رضي الله عنه من قيادة الفاتحين في الشام ولم يتخل رضي الله عنه عن الجهاد ولم يكن يبخل بأي خطة حربية يرى إبداءها ضروريا.

وليجعل أمامه حديث البخاري: تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع.

وأما إفشاء أسرار الإخوة التي أقسم على حفظها فلا شك في عدم جوازه شرعا، لما فيه من نقض العهد وعدم النصح للمسلمين والعدول عما حلف الله عليه إلى ما لم يوقن أنه خير منه وخيانة الأمانة إضافة إلى أنه قد يؤدي لإلحاق الضرر بإخوانه العاملين للإسلام في وقت تكالبت عليهم فيه قوى الشر. وقد قال الله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا {الإسراء: 34}

وقد احتج النووي في رياض الصالحين على حفظ السر بعدة أحاديث منها حديث مسلم: أن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها.

وقد بوب المنذري في الترغيب والترهيب على الترهيب من إفشاء السر وذكر فيه أحاديث منها حديث جابر: إذا حدث رجل رجلا بحديث ثم التفت فهو أمانة. رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني.

وأما تصرف الإخوة مع العامل معهم بسبب ميوله السلفي فيتعين أن يعلم أن اتباع السلف الصالح وهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تابعهم بإحسان من التابعين وأتباعهم في معتقدهم وعبادتهم وسلوكهم أمر يتعين على الجميع أن يحمل نفسه وجماعته عليه وأي يصحب الدليل في أعماله كلها حسب طاقته، ولا يلزم في ذلك أن يتسمى باسم معين ولا يحق أن يجعل اتباعهم عيبا يزاح به شخص عن مسؤوليته ما لم يتنكر لأهداف الحركة أو السعي في خلخلة تنظيمها أو تثبيط الناس عن العمل معها.

وأما نقلهم لفرد من المسؤولية إن كانوا يرون في ذلك مصلحة للعمل فالظاهر أن لهم الحق في ذلك كما عمل عمر مع خالد رضي الله عنهما، والظاهر أنه تجب طاعة المسؤول في المعروف، لأن العمل الجماعي ضرورة شرعية لا بد منها في هذا العصر، ولا بد لذلك من تنظيم الأمور والطاعة للمسؤولين فيما لم يحرمه الشارع. وراجع للفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6512، 27765، 10157، 4321، 18486.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني