السؤال
هل الغاية تبرر الوسيلة ؟ ما تفسيركم للآية فى سورة يوسف التى تبين كيف استرد يوسف لأخيه بالحيلة عندما وضع صواع الملك فى رحل أخيه وأذن مؤذن أنهم سارقون ؟ وإذا آذانا شخص هل لنا الحق أن نرد الأذى بالحيلة؟
هل الغاية تبرر الوسيلة ؟ ما تفسيركم للآية فى سورة يوسف التى تبين كيف استرد يوسف لأخيه بالحيلة عندما وضع صواع الملك فى رحل أخيه وأذن مؤذن أنهم سارقون ؟ وإذا آذانا شخص هل لنا الحق أن نرد الأذى بالحيلة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالقاعدة التي تقول الغاية تبرر الوسيلة غير صحيحة بإطلاق، بل لا بد لصحتها من قيدين:
القيد الأول: أن تكون الغاية مشروعة لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
القيد الثاني: أن يكون ضرر الوسيلة المحرمة التي توصل إلى تلك الغاية المشروعة أقل من مصلحة الغاية المتحققة بها لا أكثر ولا مساويا، فإذا تحقق هذان القيدان في هذه القاعدة صارت مساوية لقاعدة: إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما.
أما إذا كانت الغاية والوسيلة متساويتين في المفسدة؛ فهنا تأتي قاعدة أخرى وهي: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. أو قاعدة: الضرر لا يزال بمثله أو بأعظم منه، مثال ذلك حرمة الإقدام على قتل شخص لحفظ النفس؛ لأنه ليست نفسه بأولى من نفس أخيه المسلم، وهذه المسائل دقيقة، والذين يحددونها هم الراسخون في العلم، ولذلك قيل: ليس الفقه معرفة الحلال من الحرام فقط، ولكن الفقه هو معرفة خير الخيرين فيرتكب أعلاهما وشر الشرين فيرتكب أخفهما.
وأما الآية المذكورة في قصة يوسف فتدل على جواز التوصل إلى الأغراض بالحيل؛ إذا لم تخالف الشريعة ولا هدمت أصلا كما قال ابن العربي في الاحكام عند قوله تعالى: كذلك كدنا ليوسف، وهذا موافق لما قررناه سابقا.
وقال الجصاص عند تفسير هذه الآية :
فيه دلالة على إجازة الحيلة في التوصل إلى المباح واستخراج الحقوق وذلك لأن الله تعالى رضي ذلك من فعله ولم ينكره وقال في آخر القصة كذلك كدنا ليوسف ومن نحو ذلك قوله تعالى وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث وكان حلف أن يضربها عددا فأمره الله تعالى بأخذ الضغث وضربها به ليبر في يمينه من غير إيصال ألم كبير إليها ومن نحوه النهي عن التصريح بالخطبة وإباحة التوصل إلى إعلامها رغبته بالتعريض ومن جهة السنة حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعمل رجلا على خيبر فأتاه بتمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا فقال لا والله إنما نأخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة قال فلا تفعل بع الجميع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم تمرا كذا روى ذلك مالك بن أنس عن عبدالمجيد بن سهيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد وأبي هريرة فحظر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم التفاضل في التمر وعلمه كيف يحتال في التوصل إلى أخذ هذا التمر ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم لهند خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف فأمرها بالتوصل إلى أخذ حقها وحق ولدها وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا ورى بغيره اهـ
وأما دفع أذى الظالم بالحيلة فهو جائز مع الانضباط بالشرع وبما ذكرنا سابقا، وقد احتج له بقصة نعيم بن مسعود الغطفاني رضي الله عنه في تخذيل الاحزاب، وقد أورد قصته ابن إسحاق في السير فقال:
ثم ان نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن خلاوه بن أشجع ابن ريث بن غطفان أتى رسول الله فقال يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت فقال رسول الله إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية فقال يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم ونساؤهم وأموالهم بغيره فليسوا كأنتم فان رأوا نهزة أصابوها وان كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه قالوا لقد أشرت بالرأي ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقا أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا عني قالوا نفعل قال تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه إنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم فأرسل إليهم أن نعم فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا ثم خرج حتى أتى غطفان فقال يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني قالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم قال فاكتموا عني قالوا نفعل ثم قال لهم ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس وكان من صنيع الله تعالى لرسوله أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقال لهم إنا لسنا بدار مقام هلك الخف والحافر فأعدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه فأرسلوا إليهم إن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فأصابهم ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك منه فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق فأرسلوا إلى بني قريظة إنا ولله لا ندفع اليكم رجلا من رجالنا فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم إلا أن تقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم فأرسلوا إلى قريش وغطفان إنا والله ما نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا فأبوا عليهم وخذل الله بينهم وبعث الله الريح في ليلة شاتية شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم.
وراجع للمزيد في شأن المظلوم الفتوى رقم :54580.
والله أعلم .
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني