السؤال
ورد حديث عن عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم قالت ( أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها ثم قالت كلن منها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب بعض الحزن). في هذا الحديث أنه أهل الميت طبخوا وأكلوا ، ولكني قرأت في حديث آخر أنه لا يجوز خلال ثلاثة أيام ، السؤال شرح وبيان هذا الحديث ، وهل يجوز الطبخ في ثلاثة أيام ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحديث عائشة الوارد في السؤال متفق عليه ولفظه : أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها ثم قالت: كلن منها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن . وهذا الحديث فيه دليل على مشروعية صنع أهل البيت طعاما لأنفسهم وخاصتهم وليس للأجانب المجتمعين عندهم, فقد ورد النهي عن الاجتماع في بيت الميت وتناول الطعام لما في ذلك من الإثقال على أهل الميت وزيادة تعبهم, بل ورد الحث على صنع الطعام لهم فيما رواه أبو داود وغيره عن عبد الله بن جعفر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم . أي موت جعفر رضي الله عنه, قال في عون المعبود: فيه مشروعية القيام بمؤنة أهل البيت مما يحتاجون إليه من الطعام لاشتغالهم عن أنفسهم بما دهمهم من المصيبة عن طبخ الطعام لأنفسهم . وعند ابن ماجة : قد أتاهم ما يشغلهم أو أمر يشغلهم . وفي رواية له : إن آل جعفر قد شغلوا بشأن ميتهم فاصنعوا لهم طعاما . انتهى .
وذهب أكثر أهل العلم إلى استحباب صنع الطعام لهم ثلاثة أيام, قال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: ( ويسن أن يصنع لأهل الميت طعاما يبعث به إليهم ثلاثا ) أي : ثلاثة أيام ، لقوله صلى الله عليه وسلم : اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم . رواه الشافعي وأحمد والترمذي وحسنه قال الزبير : فعمدت سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى شعير فطحنته وأدمته بزيت جعل عليه وبعثت به إليهم . ويروى عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال : فما زالت السنة فينا حتى تركها من تركها . وسواء كان الميت حاضرا أو غائبا وأتاهم نعيه وينوي فعل ذلك لأهل الميت ( لا لمن يجتمع عندهم فيكره ) لأنه معونة على مكروه وهو اجتماع الناس عند أهل الميت نقل المروذي عن أحمد هو من أفعال الجاهلية وأنكر شديدا, ولأحمد وغيره عن جرير وإسناده ثقات قال : كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة . ( ويكره فعلهم ) أي : فعل أهل الميت ( ذلك ) أي : الطعام ( للناس ) الذين يجتمعون عندهم لما تقدم ( قال الموفق وغيره ) كالشارح ( إلا من حاجة ) تدعو إلى فعلهم الطعام للناس ( كأن يجيئهم من يحضر منهم من أهل القرى البعيدة ويبيت عندهم فلا يمكنهم ) عادة ( إلا أن يطعموه ) فيصنعون ما يطعمونه له ( ويكره الأكل من طعامهم قاله في النظم وإن كان من التركة وفي الورثة محجور عليه ) أو من لم يأذن ( حرم فعله ، و) حرم ( الأكل منه ) لأنه تصرف في مال المحجور عليه أو مال الغير بغير إذنه )
وذهب الشافعية إلى أن المستحب هو صنع طعام لهم ليومهم وليلتهم قال النووي رحمه الله: ( واتفقت نصوص الشافعي في الأم والمختصر والأصحاب على أنه يستحب لأقرباء الميت وجيرانه أن يعملوا طعاما لأهل الميت ويكون بحيث يشبعهم في يومهم وليلتهم قال الشافعي في المختصر : وأحب لقرابة الميت وجيرانه أن يعملوا لأهل الميت في يومهم وليلتهم طعاما يشبعهم فإنه سنة وفعل أهل الخير ) وإن لم يصنع لهم جيرانهم طعاما فلا خلاص لهم إلا أن يصنعوا لأنفسهم ، وعليه يحمل ما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها .
والله أعلم .