السؤال
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يرويه معاذ بن جبل: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أساله عن الشر مخافة أن يدركني... فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: فاعتزل الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة...).
السؤال هو: هل نستدل بهذا الحديث على اعتزال الفرق الإسلامية التي تتواجد في الساحة الآن كالحركة الإسلامية والدعوة والتبليغ والصوفية والسلفية وغيرها من الحركات الإسلامية الأخرى؟ أفيدونا مع الدليل الشرعي أثابكم الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء الأمر بلزوم الجماعة، ونبذ الفرقة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في نصوص كثيرة منها هذا الحديث المتفق عليه. عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم". وقلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن". قلت: وما دخنه؟. قال: "قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر". قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟. قال: "نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها". قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: "هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا". قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: " فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك.
والجماعة الواردة في النصوص لها معنيان:
الأول: الجماعة بمعنى الحق والنهج والعقيدة، وذلك بأن يلتزم المسلم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين من أمور الاعتقاد، وأصول الدين.
الثاني: الجماعة بالمعنى الخاص، وهي جماعة المسلمين التي لها إمام شرعي.
هذا حاصل ما ذكره العلماء، كالخطابي والشاطبي، وشيخ الإسلام وغيرهم في معنى الجماعة. انظر: وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق، رسالة ماجستير للباحث: جمال بن أحمد بن بشير بادي.
وعلى هذا، فالاعتزال إنما يكون عند تخلف الأمرين: إمام المسلمين، وجماعة المسلمين، فإن لم يوجد للمسلمين إمام، لكن وجدت تجمعات تلتزم مذهب أهل السنة والجماعة، فالواجب على المسلم حينئذ أن يلتزم مذهب أهل السنة والجماعة، وأن يتعاون وينصر ويوالي هذه التجمعات القائمة على الحق.
وأما حين لا توجد جماعة على الحق، ولا إمام عام، بل فرق من أهل الأهواء والبدع، وهذه الحالة قد توجد في بعض الأمكنة دون بعض، فهنا يطالب المسلم باعتزال الفرق، ولزوم الحق في خاصة نفسه.
وينبغي التنبه إلى أن الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة، كالصوفية بفرقها المنحرفة الآن يجب اعتزالها سواء وجدت جماعة المسلمين وإمامهم، أو لم يوجد شيء من ذلك.
كما أن التعاون مع تجمعات أهل السنة والجماعة، لا يعني التحزب، وعقد الولاء والبراء على أسمائها، أو رموزها، فهذا من التعصب المذموم المنهي عنه.
والله أعلم.