السؤال
بارك الله فيكم يا شيخ على قيامكم بالإجابة عن الفتاوى والاستفسارات، سؤالي هو: أني أعمل في جهة تابعة للدولة وقد وظفت في هذه الجهة بموجب عقد, ومواعيد الدوام في هذه الجهة محددة طبعا بوقت معين, لكني كنت أتأخر في المجيء إلى العمل لأني لم أدرج في قائمة الحضور والانصراف وقد سألت المسؤول عني مباشرة عن عدم إدراجي فقال لا مانع من ذلك, وهو يعلم بموعد قدومي ولم يعترض على ذلك, علما بأنه ليس له تخويل يسمح له بتحديد قدوم أحد أو انصرافه, والقائمة يقوم الموظفون بالتوقيع فيها حال حضورهم وحال انصرافهم, ويقضي نظام هذه الجهة بمعاقبة من يتأخر عن الدوام ثلاث أيام متتالية بخصم يوم من مرتبه…وكذلك يا شيخ للأسف كنت أضيع الكثير من وقت العمل… فسؤالي يا شيخ: ماذا علي حيال مرتبي, هل علي أن أعوض عن ذلك, مع العلم بأن الجهة حكومية وليس من الممكن أن ترجع إليهم شيئا كما لو كانت خاصة لفرد ما, فهل من الممكن يا شيخ في هذه الحالة إذا كان علي التعويض أن أنفق ذلك على الفقراء والمساكين, وكذلك يا شيخ نحن نحصل على مكافأة من فترة لأخرى فهل هي أيضا تدخل في التعويض, ولو كان علي التعويض فكيف يكون ذلك يا شيخ, هل أقدر ذلك بالتعويض عن الثلث بما أن النظام يقضي بالخصم في حال التأخر ثلاث أيام متتالية إضافة إلى الوقت المبدد في وقت العمل وكيف الحال مع المكافأة, كيف التعويض عنها كذلك؟ بارك الله فيكم يا شيخ, نعتذر عن طول السؤال والرجاء الإجابة في أسرع وقت ممكن, قال صلى الله عليه وسلم: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته).
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعامل إذا تعاقد مع جهة معينة على وقت محدد ابتداء وانتهاء فلا يجوز له الإخلال بذلك، لما وردت به النصوص من وجوب الوفاء بالعقود، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ {المائدة:1}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه أبو داود وصححه السيوطي، وقد ذكره البخاري تعليقاً بلفظ: المسلون عند شروطهم.
ولو كان المسؤول يرضى له بعدم التقيد بالحضور في الوقت فإن ذلك لا يبرئه، لأن المسألة يتعلق بها حق عام، وليس لأحد أن يسقطه، خصوصاً إذا لم يكن للمسؤول تخويل يسمح له بتحديد قدوم أحد أو انصرافه، كما هو الحال بالنسبة لصاحبك، وعليه فأخذك لمرتبك كاملاً مع الإخلال بالدوام المتفق عليه لا يجوز، وهو من الغلول الذي بين الله عقوبة آخذه بقوله تعالى: وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {آل عمران:161}، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم حالة الغال يوم القيامة حيث يأتي حاملاً على رقبته كل شيء حازه من الغلول، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره، قال: لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، على رقبته فرس لها حمحمة، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد أبلغتك، وعلى رقبته بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد أبلغتك، وعلى رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد أبلغتك، وعلى رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، قد أبلغتك.
فعليك أن تبادر إلى التوبة مما مضى، وتعقد العزم على أن لا تعود إلى مثله مع الندم، ومن تمام توبتك أن تخرج من الراتب القدر المناسب للوقت الذي كنت تتأخر به أو تضيعه من أوقات العمل، وطريقة ذلك هي أن تنظر في القدر الذي ضيعته من الوقت، وتقارن بينه وبين الوقت المطلوب، فإذا كان يبلغ الثلث مثلاً، وجب التخلص من ثلث الراتب، وقس على ذلك.... والأورع لك أن تحتاط لدينك في ذلك لما علمته من خطورة المال العام.
وأما الكيفية التي يُتخلص بها من هذا القدر، فالأصل أنه يرد إلى الجهة القائمة على الأمور المالية، ولكنك إذا علمت أن تلك الجهة يمكن أن لا تقسط في صرف المال العام، فالواجب أن تصرفه أنت مباشرة في المصالح العامة، ومن ذلك أن يصرف على الفقراء والمحتاجين في البلد، ثم ما ذكرته من المكافأة التي تحصلون عليها من فترة لأخرى، فإنها لا تخرج عما ذكرناه، ولا يجوز لأحد أن يأخذها إلا إذا كان مستوفياً للشروط التي تستحق بها.
والله أعلم.