الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أن الأمر ليس بهذا القدر من السهولة، فالفتوى من الأمور الخطيرة والتي لها منزلة عظيمة في الدين. والمفتي خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في أداء وظيفة البيان -نسأل الله العون والصفح عن الزلل-. والمفتي موقع عن الله تعالى، قال ابن المنكدر : العالم موقع بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل بينهم.
والذي يجب على الناظر في الفتاوى أن يختاره هو ما شهد له الكتاب والسنة والإجماع، وكان جاريا على قياس أهل العلم، وإن كان ثمة تعارض فإنه لا يأخذ إلا بالراجح في المسألة وهو الأقوى دليلا والأسلم تعليلا.
وليس المفتي بالخيار يأخذ ما يشاء ويترك ما يشاء، وقد قال الإمام النووي رحمه الله: ليس للمفتي والعامل في مسألة القولين أن يعمل بما شاء منهما بغير نظر، بل عليه العمل بأرجحهما.اهـ.
وبذلك تعلم أن أخذ العلماء بأيسر الفتاوى في الأمور التي تخص الفرد، كحلق اللحيه وعمليات التجميل وتطويل الثوب والنمص...، وأخذهم بالشدة في نحو كشف وجه المرأة وفي الربا والغناء وغير ذلك...، دون النظر إلى ما هو راجح أو مرجوح من ذلك، هو –في الحقيقة- زلل كبير وشطط، لا يحق لمن ينتمي إلى الإسلام أن يراه صوابا.
هذا، وليعلم أن لاختلاف العلماء أسبابا لا يمكن تجاهلها أو رفعها ولا يتصور ذلك إلا من ليس له معرفة بتلك الأسباب وهي ليس فيها طعن في الشرع ولا انتقاص منه، ولمعرفة تلك الأسباب يمكن مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 6787، 26350، 4145.
كما أن موضوع الجرح والتعديل ليس بما تصورته من البساطة والسهولة، فهو موضوع يعنى بالرجال الناقلين لحديث النبي صلى الله عليه وسلم والآثار والأخبار، والنظر في شرائط قبولهم، وأسباب ردهم...
ولا يخفى ما لهذه الأمور من الصعوبة والخطورة، وهو علم قد تخصص فيه رجال كثيرون من علماء الأمة، فنقحوه ومحصوه وبينوا الزائف منه عن الصحيح.
وليس أمرا عشوائيا يأخذ منه الفرد كيفما شاء، ويجب على المسلم أن يعلم أن شرع الله تعالى ليس ألعوبة يلعب بها كل من هب ودب ويتكلم فيها من شاء بما شاء، وإنما يجب أن يقتصر الكلام في الشرع على أهل العلم المختصين ومن تكلم فيه من غيرهم فيخشى عليه أن يكون ممن يقولون على الله بغير علم وذلك ذنب شنيع وإثم عظيم.
ونسأل الله أن يهدينا إلى صراطه المستقيم، وأن يجنبنا زلل القول وخطَل الرأي، إنه نعم المولى ونعم النصير.