الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت نريد أولاً: أن ننبهك إلى أن صحابة رسول الله صلى لله عليه وسلم هم خير هذه الأمة وأفضلها وأبرها، وقد أثنى الله تعالى عليهم أحسن الثناء، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.{سورة التوبة: 100}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. أخرجه البخاري عن أبي سعيد، ومسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما.
وقال أيضا: خيرأمتي قرني، ثم الذين يلونهم. كما في الصحيحين عن عمران بن حصين. فهذا القدر قد ذكرناه لما ذكرته من أن ما في الحديث الشريف يدل على عدم دقة الرعيل الأول في جمع القرآن، وإهمالهم ما عهد إليهم به من حفظ القران الكريم.
وأما زيد بن ثابت رضي الله عنه فيكفيه فضلا أنه قد اختير لجمع القران. روى البخاري وغيره أنه رضي الله عنه قال -لما كلف بهذه المهمة النبيلة الصعبة من طرف أبي بكر-: فو الله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القران....
وأما قولك: ماذا لو كان قد مات خزيمة الأنصاري رضي الله عنه قبل تولي عثمان رضي الله عنه الخلافة؟ وهل كان سيبقى القرآن ناقصا إلى الآن؟
وطرحك احتمال أن يكون الرعيل الأول قد أهملوا ما عهد إليهم من حفظ القران الكريم.. فجوابه أن الله تعالى هو الذي تكفل بحفظ القرآن، قال تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. {الحجر:9} ولم يكل ذلك إلينا كما فعل بأهل الكتاب. فقد ذكر العيني في شرحه للبخاري أن بعض علماء النصارى سأل محمد بن الوضاح، فقال: ما بال كتابكم معشر المسلمين لا زيادة فيه ولا نقصان وكتابنا بخلا ف ذلك؟ فقال: لأن الله وكل حفظ كتابكم إليكم. فقال: استحفظو من كتاب الله، فلما وكله إلى مخلوق دخله الخرم والنقصان، وقال في كتابنا : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. {الحجر:9} . فتولى الله حفظه فلا سبيل إلى الزيادة فيه والنقصان.
ومن هذا تعلم أن خزيمة ما كان ليموت قبل خلافة عثمان. علما بأن الآية الكريمة كانت محفوظة لدى الصحابة، كما جاء صريحا في نص الحديث. وفي هذا أيضا رد على ما طرحته من احتمال فقد الآية عند أم المؤمنين حفصة، أو فقد آيات أخرى عندها.
وأما السؤال عما إذا كان الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه قد رد الصحف إلى أم المؤمنين بدون أن يضيف ما فقد منها، فذلك ما لم نجد فيه نقلا، وبالتالي فلا نملك له جوابا قاطعا، ولكن الغالب على الظن أن زيداً أضافها إن لم تكن موجوة أصلا فهو من جمع المصحف الأم الذي كان موجودا عند حفصة وذلك بأمر من أبي بكر رضي الله عنه إبان كان خليفة.