الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا خلاف بين أهل العلم في أن حق الحضانة في حال افتراق الزوجين يكون لأم الأولاد، لحديث عبد الله بن عمر أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليها وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال: أنت أحق به ما لم تنكحي أخرجه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وأما السن التي تنتهي عندها الحضانة فقد اختلف الفقهاء فيها اختلافاً كثيراً، والراجح أن الأم أحق بحضانة الأولاد حتى يبلغوا سن التميز والاختيار، فإن بلغوها خيروا، وذلك للأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك وعمل الصحابة.
فقد روى أهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله وعليه وسلم: خير غلاما بين أبيه وأمه قال الترمذي حديث صحيح، وروى أهل السنن أيضاً عنه، أن امرأة جاءت فقالت:يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " استهما عليه" فقال زوجها من يحاقني في ولدي فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا أبوك وهذه أمك وخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به، قال الترمذي حديث حسن صحيح، قال ابن القيم في زاد المعاد معلقاً على حديث ابن عمر المتقدم: ودل الحديث على أنه إذا افترق الأبوان وبينهما ولد فالأم أحق به من الأب ما لم يقم بالأم ما يمنع تقديمها، أو بالولد وصف يقتضي تخييره، وهذا ما لا يعرف فيه نزاع وقد قضى به خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر على عمر بن الخطاب ولم ينكر عليه منكر فلما ولي عمر قضى بمثله، فروى مالك في الموطإ عن يحي بن سعيد أنه قال سمعت القاسم بن محمد يقول كانت عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة من الأنصار، فولدت له عاصماً بن عمر، ثم إن عمر فارقها فجاء قباء، فوجد ابنه عاصماً يلعب بفناء المسجد فأخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة فأدركته جدة الغلام فنازعته إياه حتى أتيا أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقال عمر، ابني وقالت المرأة ابني فقال أبو بكر رضي الله عنه خل بينها وبينه فما راجعه عمر الكلام،انتهى.
وأما المطلقة فإن كان طلاقها طلاقاً رجعياً فيجب عليها البقاء مدة العدة في سكنها الذي تسكنه قبل الطلاق لقوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً (الطلاق:1)
فإذا انتهت العدة فلتقم حيث شاءت، وليس لزوجها المطلق أن يشترط عليها الإقامة في مكان معين إلا إذا أرادت السفر المسقط للحضانة فله حينئذ جبرها على الإقامة في المكان الذي وجدت فيه الحضانة وإلا سقط حقها وانتقلت الحضانة إلى من له الحق بعدها.
وأما رؤية أحد الأبوين لأولاده فهي حق لكل منهما إذا افترقا، وهذا أمر متفق عليه بين الفقهاء، كما أنهم اتفقوا على تحريم منع أحدهما من زيارة المحضون لما في ذلك من الحمل على قطيعة الرحم.
والله أعلم.