الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد فرض الله عز وجل بر الوالدين وطاعتهما في المعروف، فجعل حقهما آكد الحقوق وأعظمها بعد حق الله تعالى، فقال الله تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {النساء:26}، وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}، فيجب الإحسان إلى الوالدين ولو كانا مسيئين، ومع ذلك فالأب كغيره لا يجوز له أن يسيء إلى ولده ولا أن يؤذيه، كما لا يجوز له أن يؤذي أي مسلم أو يسيء إليه، ولكن الأب لو أساء إلى الابن فليس للابن أن يرد على إساءته بالمثل.
وفيما يخص ما ذكرته من أنك مغترب وتريد أن تكون زوجتك معك في الغربة خشية أن تقع في الفتن أو تقع زوجتك في ذلك، وأن هذا هو سبب كثير مما تعانيه من والديك.. فجوابه أن ما أردته هو من حقك ومن حق زوجتك، وليس لأي أحد أن يمنعكما منه، فمن حق الزوجة على زوجها أن لا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر إلا برضاها، لما روى عبد الرزاق في مصنفه: أن عمر رضي الله عنه سأل حفصة: كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستة أشهر. ولا سيما في هذا الزمن الصعب الذي كثرت فيه الفتن، وتلاطمت فيه أمواج الشهوات.
أما إذا خشي المرء من الوقوع في الحرام أو خشي على زوجته من ذلك قبل مضي هذه المدة، فيجب عليه إحضارها ولو لم يأذن الوالدان، لأن طاعة الوالدين واجبة في المعروف فقط، فإن أدت إلى الوقوع في الحرام فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومع هذا نوصيك بالرفق بأبويك، وأن لا تنقطع عن زيارتهما ومتابعة أحوالهما كلما أتيحت لك الفرصة لذلك.
والله أعلم.