الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فخروج الريح ناقض للوضوء، وإذا حصل للمصلي أثناء صلاته بطلت الصلاة، لانتقاض الطهارة التي هي شرط من شروط صحة الصلاة، وهذا حيث كان خروج الريح طبيعياً، أما إذا كان الخروج مستمراً بحيث لا يعلم الشخص أنه ينقطع فترة معينة يتمكن فيها من الطهارة وأداء الصلاة في وقتها فحكمه حكم السلس، فيتوضأ صاحبه للصلاة بعد دخول وقتها، ويصلي الفريضة وما شاء بعدها من نوافل، ولا يضره خروج الريح وإن خرجت أثناء الصلاة ما لم يكن قد تعمد إخراجها.
وإذا كان يأتي عليه وقت يتوقف فيه عنه خروج الريح توقفا يتمكن معه من الإتيان بالطهارة والصلاة، فيجب عليه أن يرجئ الصلاة إلى ذلك الوقت.
وعليه؛ فما ذكرت أنك كنت تفعلينه من الوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها، هو الحكم المناسب في حقك، طالماً أن خروج الريح كان ملازماً لك في الوضوء وفي أثناء السجود للصلاة.
وما عرفته بعدُ من أنه كان يتوجب عليك في الصلاة أن تومئي برأسك ولا تسجدي طالماً كان السجود هو السبب في فقدانك للطهارة، هو صحيح من وجه؛ إذ لو كان الناقض الوحيد للوضوء عندك هو السجود لكان الحكم كما ذكرت؛ لأن المحافظة على شرط الصلاة أولى من المحافظة على ركنها.
قال الشيخ خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى: يجب بفرض قيام إلا لمشقة أو لخوفه به فيها أو قبل ضرراً كالتيمم، كخروج ريح.
قال الشيخ الخرشي شارحاً: .... والمعنى أنه يجب بفرض قيام إلا لمشقة أو خوف ضرر أو خروج ريح بالقيام والأمن من ذلك بالقعود فيصلي قاعداً، قاله ابن عبد الحكم؛ إذ المحافظة على الشرط الواجب في كل العبادة أولى من المحافظة على الركن الواجب في الجملة. انتهى.
ولكنك ذكرت أن خروج الريح يحصل لك أيضاً في الوضوء، وبالتالي فالطهارة منتقضة قبل الدخول في الصلاة، والحاصل أنك إذا كنت تستطيعين الوضوء دون أن تخرج الريح فالواجب في حقك هو الإيماء، وإن كانت الريح لا بد أن تخرج أثناء الوضوء والسجود فابقي على ما كنت عليه لأن المحافظة على ركن الصلاة هي الواجبة في حقك، طالما أنك لا تستطيعين المحافظة على شرط الصلاة.
وفي خصوص الصلوات السابقة فعلى تقدير صحتها فالأمر واضح، وعلى تقدير البطلان فلو أعدت الصلاة احتياطاً لكان ذلك أبرأ لدينك، ومع ذلك فإنا لا نلزمك الإعادة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم المسيء صلاته بإعادة صلواته السابقة، فهو معذور بالجهل.
وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 13806.
والله أعلم.