الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم يظهر لنا هل العرض المذكور عقد بيع أم عقد إجارة أم عقد تمويل وشراكة، وعلى كل الاحتمالات فالفساد ظاهر في هذا العرض لأننا إن اعتبرنا أن الشركة تريد استئجار الأخ السائل ليبيع لها بضاعتها، وقالت له إنه إن باع هذه البضاعة في أسبوعين فإنه يستحق كذا، وإن باعها في شهر فإن أجرته تقل عن ذلك، فهذا غير جائز في الإجارة لجهالة الأجرة، ومن شروط الإجارة معلومية الأجرة.
جاء في مواهب الجليل: ص ( وكإن خطته اليوم بكذا، وإلا فبكذا ) ش : قال فيها : وإن آجرت رجلا يخيط لك ثوبا إن خاطه اليوم فبدرهم ، وإن خاطه غدا فنصف درهم أو قلت له : إن خطت خياطة رومية فبدرهم ، وإن خطته خياطة عربية فبنصف درهم لم يجز، وهو من وجه بيعتين في بيعة. انتهى.
ويمكن تصحيح المعاملة بأن يعلم عدد الكمية وتقول الشركة للسائل كل قطعة أو كل علبة تبيعها فلك كذا أي مبلغ معلوم، ويصح أن تقول بع هذه العلبة بكذا ولك على كل واحدة تبيعها كذا، ولا يضر أن تكون أجرته في هذه الصورة الثانية مبلغا معلوما أو نسبة مضافة إلى الثمن الذي حددته له الشركة لزوال الجهالة.
وعلى الاحتمال الثاني وهو أن يكون السائل اشترى البضاعة فالفساد في العقد من جهة جهالة الثمن، ومن شروط البيع معلومية الثمن، فإنه إذا باع في خمسة عشر يوما كان الثمن كذا، وإن باع في أكثر من هذه المدة كان الثمن كذا، ويزيد الأمر جهالة تحمل البائع تكاليف الحمل والتخزين، وهذا إذا كان معلوما محددا فلا بأس، وإما إن كانت أجور الحمل والتخزين غير معلومة فهي جهالة أخرى تؤكد فساد البيع المذكور.
جاء في كشاف القناع في شروط البيع الفاسدة: ( أو شرط مشتر نفع بائع في مبيع ك ) اشتراطه عليه ( حمل الحطب ) للمبيع ( أو تكسيره أو خياطة ثوب ) مبيع ( أو تفصيله ، أو حصاد زرع ) مبيع ( أو جز رطبة ) مبيعة ( ونحوه ) كضرب قطعة حديد اشتراها منه سيفا أو نحوه ( صح ) الشرط ؛ لأن غايته أنه جمع بيعا وإجارة وهو صحيح ( إن كان ) النفع ( معلوما ولزم البائع فعله ) وفاء بالشرط ( فلو شرط ) المشتري (الحمل إلى منزله وهو) أي البائع (لا يعرفه) أي المنزل( لم يصح) الشرط. انتهى.
وعلى احتمال أن السائل يمول الشركة لشراء بضاعة فيكون شريكا لها في الأرباح فالفساد في عقد التموين هذه من جهة الجهالة في نصيب الممول أو الشريك.
جاء في مطالب أولي النهى: ولا تصح الشركة إذا ( لم يذكرا الربح ) ؛ لأنه المقصود من الشركة ، فلا يجوز الإخلال به ، ( أو شرط ) بالبناء للمجهول - ( لبعضهم ) في الشركة ( جزء مجهول ) ؛ كحظ أو جزء أو نصيب ؛ فلا تصح ؛ لأن الجهالة تمنع تسليم الواجب، ( أو ) شرط فيها لبعضهم ( دراهم معلومة )؛ لم تصح ؛ لأنه قد لا يربح غيرها ، فيأخذ جميع الربح ، وقد لا يربح ، فيأخذ جزءا من المال ، وقد يربح كثيرا ، فيتضرر من شرطت له ، ( أو ) شرط لبعضهم فيها ( ربح عين معينة ) ؛ كربح ثوب بعينه ، ( أو ) شرط ربح عين ( مجهولة ) كربح أحد هذين الثوبين ، وكذا لو شرط لبعضهم فيها ربح إحدى السفرتين. انتهى.
والربح في المعاملة المسؤول عنها متردد بين 2،5% وأقل وفي هذا جهالة ظاهرة.
ولتصحيح هذا التمويل يجب أن يكون حصة الممول من الربح حصة شائعة وأن لا يكون رأس ماله مضمونا بل عرضة للربح والخسارة، فإن دخل في التمويل على أن رأس ماله مضمونا أو أنه له ربح معلوم فهذا ليس تمويلا ولا مشاركة وإنما هو قرض ربوي.
والله أعلم.