خلاصة الفتوى: إن الجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى لكرامة عباده، ولا يتسع المقام لذكر الكثير من مظاهر الحياة فيها؛ لأنه لا شيء تميل إليه النفس من أنواع النعيم إلا وهو فيها.
فالجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى لكرامة عباده، قال تعالى: مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الكَافِرِينَ النَّارُ {الرعد:35} وقال تعالى: مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ {محمد:15} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذخرا، بله ما اطلعتم عليه. ثم قرأ: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {السجدة:17} . رواه البخاري ومسلم.
وفي سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الجنة وبنائها، فقال: لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت، ولا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم. وصححه الألباني. والملاط: ما بين اللبنتين
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام. رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون ميلا، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن.
وفي صحيح مسلم: سَأَلَ مُوسَىَ رَبّهُ: مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنّةِ مَنْزلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِئُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنّةِ الجَنّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنّةَ. فَيَقُولُ: أَيْ رَبّ كَيْفَ؟ وَقَدْ نَزَلَ
النّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمِ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَىَ أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبّ فَيُقُولَ: لَكَ ذَلَكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ. فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ، رَبّ فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ. وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذّتْ عَيْنُكَ. فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبّ قَالَ: رَبّ فَأَعْلاَهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ
بِيَدِي. وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ" قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ الله عَزّ وَجَلّ: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أَعْيُنٍ الآية}.وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا.
وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا، فذلك قوله عز وجل: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {الأعراف:43}
وروى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه واللفظ للبخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة الألنجوج عود الطيب، وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا.
وروى البزار والطبراني والبيهقي باسناد صحيح عن جابر قال: قيل يا رسول الله: أينام أهل الجنة؟ قال: لا؛ النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا يموتون ولا ينامون.
هذا بعض من مظاهر الحياة في جنة الخلد، ولو اتسع المقام لامتلأت الصحف من مظاهر النعيم التي يتمتع فيه أهل الجنة. ونحسب هذا كافيا.
والله أعلم.