خلاصة الفتوى:
ما ذكرت أن قد قضيته من الزمن في الغربة على النحو الذي بينته يعد أمرا مباحا ولا لوم عليك فيه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي عليه أكثر أهل العلم هو أن للولد أن يسافر دون إذن والديه للتجارة ونحوها، إذا لم يكن في السفر أو في بلد الإقامة مخاطر، ولم يخش عليهما الضياع في غيبته.
قال الإمام السرخسي الحنفي في شرح السير الكبير: وكل سفر أراد الرجل أن يسافر غير الجهاد لتجارة أو حج أو عمرة فكره ذلك أبواه، وهو لا يخاف عليهما الضيعة فلا بأس بأن يخرج، لأن الغالب في هذه الأسفار السلامة، ولا يلحقهما في خروجه مشقة شديدة، فإن الحزن بحكم الغيبة يندفع بالطمع في الرجوع ظاهرا، إلا أن يكون سفرا مخوفا عليه منه، نحو ركوب البحر، فحينئذ حكم هذا وحكم الخروج إلى الجهاد سواء، لأن خطر الهلاك فيه أظهر.
وجاء في البحر الرائق: وأما سفر التجارة والحج فلا بأس بأن يخرج بغير إذن والديه لأنه ليس فيه خوف هلاكه. اهـ
وكذا قال العيني في عمدة القارئ والجصاص في أحكام القرآن وغيرهم.
وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم: وليس قول من قال من علمائنا يجوز له السفر في طلب العلم وفي التجارة بغير إذنهما مخالفا لما ذكرته من وجوب طاعتهما في كل ما ليس بمعصية. فإن هذا الكلام مطلق وفيما، ذكرته تقييد ذلك المطلق. انتهى منه بتصرف يسير.
وعليه، فإن ما ذكرت أنك أمضيته من الزمن في الغربة لطلب الرزق يعد أمرا مشروعا، ولا لوم عليك فيه. وخصوصا أنك كنت تزور والدتك في إجازة كل عام، وكنت مداوما على مكالمة الأهل...
فلا تلتفت -إذاً- إلى ما يقال من الكلام في غيبتك، فإنه لا حقيقة له ولا دليل عليه، ولا تتعب نفسك بمثل هذا التفكير.
والله أعلم.