الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف العلماء من أهل السنة هل كانت خلافة أبي بكر بالنص أم بالشورى، وآراؤهم متقاربة في ذلك إذ هم متفقون على صحة خلافته رضي الله عنه، لإجماع الصحابة عليها وإجماعهم حجة.
وقد ثبتت الأحاديث المفيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يكتب الخلافة لأبي بكر كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى، ويأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر.
وفي صحيح البخاري عن القاسم بن محمد قال: قالت عائشة وارأساه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك، قالت عائشة واثكلاه والله إني لأظنك تحب موتي فلو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنا وارأساه لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ثم قلت يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون.
وأما الذين يدعـون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على خلافة علي، فقد ثبت عن علي رضي الله عنه في أيام خلافته ما يفند دعواهم فقد روى الذهبي وغيره بسنده عن الحسن قال: لما قدم علي البصرة قام إليه ابن الكواء وقيس بن عباد فقالا له: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه تتولى على الأمة تضرب بعضهم ببعض، أعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهده إليك؟ فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت، فقال: أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا والله، إن كنت أول من صدق به فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما بيدي ولو لم أجد إلا بردي هذا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل قتلا ولم يمت فجأة مكث في مرضه أياما وليالي يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب وقال: أنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر يصلي بالناس، فلما قبض الله نبيه نظرنا في أمورنا فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله لديننا، وكانت الصلاة أصل الإسلام وهي أعظم الأمر وقوام الدين، فبايعنا أبا بكر وكان لذلك أهلا لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض ولاها عمر فأخذ بسنة صاحبه وما يعرف من أمره فبايعنا عمر لم يختلف عليه منا اثنان ولم يشهد بعضنا على بعض ولم نقطع البراءة منه، فأديت إلى عمر حقه وعرفت طاعته وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي وأنا أظن أن لا يعدل بي ولكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنبا إلا لحقه في قبره فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة أنا أحدهم، فلما اجتمع الرهط تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي وأنا أظن أن لا يعدلوا بي، فأخذ عبد الرحمن مواثقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا، ثم أخذ بيد ابن عفان فضرب بيده على يده فنظرت في أمري فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري، فبايعنا عثمان فأديت له حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا إغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما أصيب نظرت في أمري فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما بالصلاة قد مضيا وهذا الذي قد أخذ له الميثاق قد أصيب، فبايعني أهل الحرمين وأهل هذين المصرين. اهـ
وقد نقل البيهقي بسنده عن الحسن بن الحسن أنه سأله رجل: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال: أما والله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان يعني بذلك الإمرة والسلطان والقيام على الناس بعده لأفصح لهم بذلك كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت، ولقال لهم إن هذا ولي أمركم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا، فما كان من وراء هذا شيء، فإن أنصح الناس كان للمسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم.اهـ
وبالجملة فقد أوسع العلماء هذا الأمر شرحا وردا لما أثير حوله من شبه، وننصح في هذا الصدد بمراجعة كتاب الصواعق المحرقة للإمام ابن حجر الهيتمي و منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية وتاريخ الخلفاء للسيوطي وموسوعة السير للدكتور الصلابي فقد أجادوا وأفادوا في رد سائر الشبه المتعلقة بهذا الموضوع ورحم الله سفيان الثوري إذ يقول: من زعم أن عليا عليه السلام كان أحق بالولاية منهما فقد خطأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار وما أراه يرتفع له مع هذا عمل إلى السماء. رواه أبو داود بسند صحيح عنه كما قال الألباني في ظلال الجنة.
والله أعلم.